جملة كانت تقول كنا فى السجن المركزى للقنيطرة، أو فى الرباط، أو الدار البيضاء، أو سجن القلعة أو سجن تازمرات
تساءلت بينى وبين نفسى ما هو الذى أستطيع أن أقوله لهؤلاء الناس عن السجن وفى لحظة من اللحظات وأنا أتريض تحت ألأشجار قفزت إلى ذهنى جملة حسمت الموضوع بالنسبة إلى، جملة تقول “ضع فى عينك حصوة ملح، فما الذى يصح أن تقوله لمناضلين عرفوا تجربة فى السجن افظع بكثير عن التجربة التى خضتها أنت؟ إنهم يستطيعون أن يقولوا لك ربما أشياء لم تخطر على بالك ,انت تتأمل السنين التي قضيتها خلف جدرانه
نشر مقال فى جريدة لوموند المعروفة عن معتقل تازمامارت، و عن المحتجزين فيه. قرأ هذا المقال شاب فرنسى إختار الإخراج السنيمائى مهنة له، فقرر ان يخرج فيلما عن هذا الموضوع. فى سنة 1991 تحت ضغط الرأى العام أفرج عن الذين ظلوا على قيد الحياة، أى على ثمانية وعشرين رجلا، تاركين وراءهم جثث ثمانية وثلاثين من رفاقهم ماتوا من البرد والمرض والجوع، وتم دفنهم فى مكان لم يهتد إليه أحد.
رحلة ممتعة فى بلد جميل يصعب وصف كل ما عشناه، ورأينه فيه بفضل الجهود التى بذلها الذين نظموا الملتقى واحتفوا بنا
++++++
طويل القامة، أسمر البشرة، خشن ملامح الوجه قليلا، تتأملك عيناه بنظرة ثابتة من خلف عويناته كأنها تقول ليس لدى ما يجب أن أخفيه عنك. ناقد سنيمائى إسمه أحمد بو غابة، مغربى من طنجة، مدينة محمد شكرى كاتب رواية الخبز الحافى، والذى ولد فيها ووراه ترابها. إلتقينا فى المهرجان الدولى للأفلام القصيرة الذى عقد فى مدينة ألإساماعيلية فى شهر مايو سنة 2010. تبادلنا كلمات قليلة فى حفل الختام أثناء الإستراحة. سالنى السؤال الذى تكرر مرارا فى مختلف المناسبات. هل زرت المغرب؟ قلت لا. قال أبدا؟ قلت لا ابدا. قال كيف؟ كنا نقرأ روايتك العين ذات الجفن المعدنى ونحن فى السجن وكأنك معنا، تشاركنا حياتنا فى الزنازين، تشاركنا خيالنا وأحاسيسنا. لا بد أن نرتب لك زيارة للمغرب.
الدعوة المفاجئة
هززت رأسى لأتجاوب معه لكنى لم اعلق.صوت داخلى يهمس لى قائلا إن أغلب الحاضرين فى المهرجانات تعودوا مثل هذه المجاملات، ثم هذه الرواية عندما صدرت سنة 1971قالت عنها ناقدة يسارية معروفة إنها رواية مفككة، ولغتها ضعيفة، ثم ثناها كاتب ملأ الدنيا والسمع بأعماله بمقال نقدى عنها فى مجلة الطليعة أورد فيه إنها ليست سوى سيرة ذاتية لا يجوز وصفها بالرواية و لم ترق إلى مستوى فنى ملحوظ يسمح بوصفها كذلك. كانت أول رواية لى فانكمشت خجلا. وضعتها فى أدراج النسيان ثم أستأنفت طريقى بعد انقطاع دام ثلاثة عشرة عاما وكتبت رواية الشبكة، فقد كان لا يزال يراودنى حلم صناعة عالمى الخاص بالكلمات رغم هذه التجربة ألأولى التى كانت بالنسبة إلى مؤلمة لكن مدهشة فى الوقت نفسه.
مر على لقائى بأحمد بوغابة سنتان. مسحت إسمه من بقايا خلايا الذاكرة التى تنشط عندى، لكن فى صباح أحد ايام شهر يوليو الماضى فوجئتب برسالة إلكترونية منه تفيد أن المجلس الجهوى لحقوق ألإنسان بالرباط، ونادى السنيما بالقنيطرة يقومان بتنظيم ملتقى عن السنيما وحقوق ألإنسان فى مدينة القنيطرة على الساحل الشمالى الغربى للمغرب أثناء الفترة الممتدة من 12إلى 16 نوفمبر 2013، واننى مدعو كضيف شرف لحضوره واضاف فى الرسالة ان هناك إقتراح معروض على ضمن هذه الدعوة بأن اتحدث فى جلسة خاصة عن تجربتى فى الكتابة والسجن.أحسست بمزيج من الدهشة والفرحة. أخيرا فى نهاية العمر سأزور المغرب ذلك البلد الذى طالما حدثنى الكثيرون عن جماله، بل سأكون ضيف الشرف فى ملتقى عن السنيما والأدب ومدعو للتحدث عن تجربتى فى جانب من هذا الموضوع، أنا الذى لم أدع للتحدث فى أى ملتقى أومؤتمر فى مصر عن أى موضوع أدبى عدا ملتقى للكتاب الأفارقة عندما كان عماد أبو غازى وزيرا للثقافة، ولا إلى ملتقى خاص بحقوق أنسان رغم أننى كنت أول أمين عام للمنظمة المصرية لحقوث إنسان ولا فى مجالات أخرى مختلفة ساهمت فيها .
هكذا صباح يوم 12 نوفمبر الماضى وجدت نفسى جالسا فى المقعد رقم 24 الأزرق ألأنيق لطائرة شركة مصر للطيران المتجهة إلى المغرب، وإلى جوارى أمل الجمل الناقدة السنيمائية التى تمت دعوتها معى للمشاركة فى ندوة عن أفلام السجن. عندما وصلنا إلى مطار الدار البيضاء خرجنا من الباب إلى ساحة واسعة تحت سماء زرقاء سطعت فيها الشمس. لمحنا رجلا يعدو نحونا وهو يلوح بذراعيه لاهثا، صارخا شريف…. شريف، ثم يندفع نحوى ويلف ذراعيه حولى، وكأننى ألشقيق الذى غاب طويلا عنه. تراجع خطوة لينظر إلى وقال “أنا نور، نور الدين الحراك. عندما عرفت انك حاضر إلينا رفضت أن يستقبلك أحد غيرى”.
عاد ذهنى تسع سنوات ألى الوراء، إلى لقاءات المنتدى ألإجتماعى للبحر الأبيض المتوسط المنبثق من المنتدى الإجتماعى العالمى المناهض للعولمة الراسمالية، والذى كانت تعقد فى برشلونا عاصمة كتالونيا الساحرة، ومارسيليا حيث قضى بيرم التونسى سنين منفاه، فى أسطنبول المدينة الجميلة المطلة على البوسفور، وفى لارناكة بجزيرة كريت. هذا الى ان تفككت ولم يعد لها وجود.
هكذا بدأت رحلتنا إلى المغرب جالسين فى سيارة نور الدين الحراك الذى يقوم ألآن بنشاط واسع النطاق فيما يسمى بالنشاط ألإقتصادى التضامنى بين فقراء الريف، وهو نشاط مبنى اساسا على تدريب المهارات، وتوفير البيئة التى تسمح لفقراء الفلاحين بزيادة ألإنتاج، وتحسين الخدمات، وتحقيق زيادة ملموسة فى الدخل الذى يحصلون عليه. هكذا بدأت أيامنا فى المغرب مفعمة بالأ حاسيس الدافئة، وعلامات الترحاب، ومناظر الخضرة ونقاء السماء.قادنا فى سيارته على الطريق إلى الرباط حيث توقفنا عند أحد المقاهى لنحتسى أكوابا من الشاى ألمغربى الأخضر بالنعناع، ثم استأنفنا السير حتى القنيطرة. إستغرقت المسافة ما يزيد عن خمس ساعات قاد فيها سيارته على المهل حتى نستمتع بالمناظر، بالتلال العارية المحروثة، البنية أو الحمراء اللون، تنتظر الأمطار، وبالغابات المزروعة تمتد مسافات طويلة على الجانبين ونحن نتحدث عن الموقف العالمى ولإقليمى وتطورات الوضع فى مصر، عن المدن التى يمكننا زيارتها بعد إنتهاء الملتقى،عن الموسيقى المغربية و طعم الكسكس المطهى بلحم الضأن، عن أى شىء وكل شىء يخطر على بالنا، او ونحن نستمع الى أغان مغربية عندما نتوقف لمدة قصيرة عن الكلام، الى ان وصلنا الى فندق المعمورة يطل على ساحة مبلطة واسعة للغاية، على حافتها مساحات من الخضرة واشجارعالية، كثيفة الأوراق، وعلى جانب منها المبنى ألأبيض الممتد لمجلس المدينة الجهوى. فى الساحة كان يتنزه عشرات من الناس، او يثرثرون جالسين على مقاعد من الرخام، أو يتابعون أطفالهم وهم يقودون السيارات الصغيرة الكهربائية ذات ألألوان التى يستأجرونها من أصحاب الأكشاك المقامة قرب مبنى مجلس المدينة.
رواية اخترقت الجدران
كان فى انتظارنا عدد من المستقبلين من بينهم آيت عمر المختار رئيس نادى السنيما فى القنيطرة. من أول لحظة فى حفلة ألإفتتاح، وخلال الأيام الخمس التى امتدت حتى نهاية الملتقى كانت تتكرر جملة على لسان اعداد من الناس الذين كانوا يشدون على يدى، أو يلتقطون معى الصور، او يجلسون معنا حول مائدة الطعام، أو يلتقون بى اثناء مشاهدة الأفلام أو أثناء الندوات، جملة كانت تقول كنا فى السجن المركزى للقنيطرة، او فى الرباط، او الدار البيضاء، أو سجن القلعة او سجن تازمرات، فأسألهم متى فيقولون فى ظل حكم الملك حسن الثانى، فاسال ما هى المدة التى قضيتموها فيه فيقول اغلبهم لمدة ثمانية عشرة سنة، او عشرين سنة، وإذا هبط الرقم يقولون إثنتى عشرة سنة، ثم يضيفون أثناء السجن قرأنا روايتك العين ذات الجفن المعدنى واستفدنا منها كثيرا، فاصمت لاننى لا اعرف ما يمكن أن اقوله إزاء ما أسمعه عن المعاملة التى كانوا يلاقونها مدفونين فى زنازين تحت الأرض، لا يخرجون منها.
تساءلت بينى وبين نفسى ما هو الذى أستطيع أن أقوله لهؤلاء الناس عن السجن وفى لحظة من اللحظات وأنا أتريض تحت ألأشجار قفزت إلى ذهنى جملة حسمت الموضوع بالنسبة إلى، جملة تقول “ضع فى عينك حصوة ملح، فما الذى يصح أن تقوله لمناضلين عرفوا تجربة فى السجن افظع بكثير عن التجربة التى خضتها أنت؟ إنهم يستطيعون أن يقولوا لك ربما أشياء لم تخطر على بالك ,انت تتأمل السنين التي قضيتها خلف جدرانه. لذلك فى الجلسة التى خصصت لكى اتناول فيها تجربتى فى السجن تحدثت فيها إلى الحاضرين عن مشاعرى إزاء الدعوة التى تلقيتها، و إزاء دفء اللقاء الذى عشته معهم، عن أنه رغم السنين الطويلة التى قضيتها فى السجون المصرية المختلفة ففى مواجهة التجربة التى عاشها الكثيرون من المثقفين، والكتاب والفنانين وغيرهم من فئات الشعب فى سجون المغرب، لا يسعنى إلا أن افتح باب ألإسئلة والنقاش للحاضرين حتى نتبادل تجاربنا وأفكارنا. هكذا قضينا ما يزيد عن ساعة ونصف فى نقاش لم يسبق لى أن عشت مثله.
على مدار الأيام الخمس للملتقى عرضت أربعة أفلام تناولت بشكل أساسى ما مرت به شخصيات قضت سنين فى السجن بعد ان افرج عنهم، ذكرياتهم عنه، أو المشاكل التى واجهوها فى حياتهم، كيف كانت تجربتهم مع المجتمع والأسرة، وكيف رأت عيونهم الأشياء بعد ان أصبحوا أحرارا بعد غيابهم الطويل ، الاثار النفسية والذهنية التى تركه فيهم. أقوى هذه الأفلام وأفضلهم فنيا فى رأيى هو فيلم تسجيلى إسمه العيش فى تازمامارت، فى ذلك المعتقل الرهيب الذى أمر الملك حسن الثانى بإقامته خصيصا ليودع فيه أعداد من ضباط الجيش. ففى يناير سنة 1971 وجد ضباط وطلاب مدرسة أهرمومو العسكرية أنفسهم متورطين عن طريق خدعة متقنة التدبير فى انقلاب خطط له مدير المدرسة الكولونيل امحمد اعبابو ضد الملك حسن الثانى. أوهمهم الكولونيل بأن عليهم المشاركة فى التصدى لمجموعة من الثوريين استولوا على منشئات حكومية هامة، وقادهم إلى قصر الصخيرات الملكى الذى لم يكن شاهدوه من قبل. فى القصر كان يوجد مئات من المدعوين لحفل ميلاد الملك فاندفعوا للقضاء على مجموعة الثوريين المزعومة، غيرمدركين ان الموجودين هم الملك وعشرات من علياء القوم. وقع عدد كبير من الضحايا فى المعركة التى دارت لكن الملك لم يصب بأذى، وألإنقلاب فشل فأعدم المدبرون له، وحوكم أكثر من ألف من ضباط وطلاب الكلية فصدرت ضدهم أحكام تراوحت بين سنتين وعشرين سنة. لكن فى 11أغسطس سنة 1973 دبر الجنرال محمد او فقير محاولة لإسقاط طائرة الملك وهو عائد من فرنسا. فشل هذا الإنقلاب أيضا وأعدم الجنرالات الذين قاموا به لكن فيما بعد أفرج عن الضباط وصف الضباط الذين حكم عليهم بسنتين سجن، أما فيما يتعلق بالذين صدرت عليهم أحكام بمدد الطويلة فتم إختطافهم ه وأرسلوا سرا من السجن الذى كانوا فيه الى معتقل تازمامارت الذى أمر الملك بإقامته حتى يشفى غليله، وغليل حاشيته .ظلوا مسجونين فى هذا المعتقل لمدة ثمانية عشرة عاما دون أن يعلم أحد شيئا عن مصيرهم، أو عن وجود سجن تامرزات المقام فى ناحية جبلية معزولة، ومقفرة من ألأطلس الكبير، على إرتفاع الفى متر من سطح المحيط.
كان يمكن أن يظل هذه السر مكتوما لكن أمرأة تدعى كريستين- دورسرفاتى، زوجة إبراهام سرفاتى رئيس الحزب الشيوعى الذى قضى هو أيضا سبعة عشرة عاما فى السجن لم تكف عن النضال من أجل حقوق الإنسان، ومن أجل المسجونين السياسيين فى المغرب. لماسافرت إلى فرنسا واصلت جهودها دون كلل، وضمن الجهود التى بذلتها قامت بنشر مقال فى جريدة لوموند المعروفة عن معتقل تازمامارت، و عن المحتجزين فيه. قرأ هذا المقال شاب فرنسى إختار الإخراج السنيمائى مهنة له، فقرر ان يخرج فيلما عن هذا الموضوع. فى سنة 1991 تحت ضغط الرأى العام أفرج عن الذين ظلوا على قيد الحياة، أى على ثمانية وعشرين رجلا، تاركين وراءهم جثث ثمانية وثلاثين من رفاقهم ماتوا من البرد والمرض والجوع، وتم دفنهم فى مكان لم يهتد إليه أحد.
هكذا بدا الشاب الذى لم يتجاوز عمره ألآن ثلاثة وعشرين سنة رحلاته إلى المغرب، ومغامراته فيها ولقاءته التمهيدية مع خمس من الضباط المفرج عنهم إختارهم بنفسه ليقوم بلإعداد لهذا الفيلم، ثم بكتابة السيناريو وإخراجه. إسم المخرج الشاب هو دافى زيلبرفاجن. ألتقيت به عدة مرات أثناء الملتقى، وتحدثنا طويلا، واريد أن أكتب عنه، وعن فيلمه فى مقال منفصل.
إلى فاس وطنجة
بعد الملتقى قمنا بزيارة إلى مدينة فاس المشهورة بمبانيها وأسوارها وشوارعها القديمة. فى النهار تجولنا فيها هابطين صاعدين فى الطلعة الكبيرة بين مئات من الناس والحوانيت، بين القاهى والمطاعم، واسواق الفواكه والخضر ومحلات الفطائر والحلويات والجبن ، والدواب، وعربات اليد تحمل مختلف البضائع، راقدين الليل فى قصر المرنيسى تحول إلى فندق من نوع الرياض المعروف فى المغرب، وأصبح ألآن مقرا خصصه المركز الثقافى الفرنسى لإقامة الكتاب. بعد ذلك إنتقلنا إلى مدينة طانجة حيث قضينا ثلاث ليالى فى فندق كان يقيم فيه الكاتب المغربى الراحل محمد شكرى الذى إستضافنا فيه أصحابه فقد رفضوا أن ندفع أجرها لأننى كاتب قرأوا لى عندما كانوا فى السجن. فى طنجة صعدنا إلى قمة تل يطل على التقاء محيط ألأطلسى والبحر ألأبيض المتوسط، وعلى جبل طارق، القائم على بعد 14 كيلومترا من طنجة. هبطنا فى مغارة تنفتح على المحيط وتدخل أليه أمواجه فى العواصف، ثم تناولنا طعاما للغذاء من سمك أسمه فرخ البحر مطهى فى طاجن خاص بالخضروات والبطاطس.
كانت رحلة ممتعة فى بلد جميل يصعب وصف كل ما عشناه، ورأينه فيه بفضل الجهود التى بذلها الذين نظموا الملتقى واحتفوا بنا.
رحلة ممتعة فى بلد جميل يصعب وصف كل ما عشناه، ورأينه فيه بفضل الجهود التى بذلها الذين نظموا الملتقى واحتفوا بنا
هززت رأسى لأتجاوب معه لكنى لم اعلق.صوت داخلى يهمس لى قائلا إن أغلب الحاضرين فى المهرجانات تعودوا مثل هذه المجاملات، ثم هذه الرواية عندما صدرت سنة 1971قالت عنها ناقدة يسارية معروفة إنها رواية مفككة، ولغتها ضعيفة، ثم ثناها كاتب ملأ الدنيا والسمع بأعماله بمقال نقدى عنها فى مجلة الطليعة أورد فيه إنها ليست سوى سيرة ذاتية لا يجوز وصفها بالرواية و لم ترق إلى مستوى فنى ملحوظ يسمح بوصفها كذلك. كانت أول رواية لى فانكمشت خجلا. وضعتها فى أدراج النسيان ثم أستأنفت طريقى بعد انقطاع دام ثلاثة عشرة عاما وكتبت رواية الشبكة، فقد كان لا يزال يراودنى حلم صناعة عالمى الخاص بالكلمات رغم هذه التجربة ألأولى التى كانت بالنسبة إلى مؤلمة لكن مدهشة فى الوقت نفسه.
مر على لقائى بأحمد بوغابة سنتان. مسحت إسمه من بقايا خلايا الذاكرة التى تنشط عندى، لكن فى صباح أحد ايام شهر يوليو الماضى فوجئتب برسالة إلكترونية منه تفيد أن المجلس الجهوى لحقوق ألإنسان بالرباط، ونادى السنيما بالقنيطرة يقومان بتنظيم ملتقى عن السنيما وحقوق ألإنسان فى مدينة القنيطرة على الساحل الشمالى الغربى للمغرب أثناء الفترة الممتدة من 12إلى 16 نوفمبر 2013، واننى مدعو كضيف شرف لحضوره واضاف فى الرسالة ان هناك إقتراح معروض على ضمن هذه الدعوة بأن اتحدث فى جلسة خاصة عن تجربتى فى الكتابة والسجن.أحسست بمزيج من الدهشة والفرحة. أخيرا فى نهاية العمر سأزور المغرب ذلك البلد الذى طالما حدثنى الكثيرون عن جماله، بل سأكون ضيف الشرف فى ملتقى عن السنيما والأدب ومدعو للتحدث عن تجربتى فى جانب من هذا الموضوع، أنا الذى لم أدع للتحدث فى أى ملتقى أومؤتمر فى مصر عن أى موضوع أدبى عدا ملتقى للكتاب الأفارقة عندما كان عماد أبو غازى وزيرا للثقافة، ولا إلى ملتقى خاص بحقوق أنسان رغم أننى كنت أول أمين عام للمنظمة المصرية لحقوث إنسان ولا فى مجالات أخرى مختلفة ساهمت فيها .
رواية اخترقت الجدران
كان فى انتظارنا عدد من المستقبلين من بينهم آيت عمر المختار رئيس نادى السنيما فى القنيطرة. من أول لحظة فى حفلة ألإفتتاح، وخلال الأيام الخمس التى امتدت حتى نهاية الملتقى كانت تتكرر جملة على لسان اعداد من الناس الذين كانوا يشدون على يدى، أو يلتقطون معى الصور، او يجلسون معنا حول مائدة الطعام، أو يلتقون بى اثناء مشاهدة الأفلام أو أثناء الندوات، جملة كانت تقول كنا فى السجن المركزى للقنيطرة، او فى الرباط، او الدار البيضاء، أو سجن القلعة او سجن تازمرات، فأسألهم متى فيقولون فى ظل حكم الملك حسن الثانى، فاسال ما هى المدة التى قضيتموها فيه فيقول اغلبهم لمدة ثمانية عشرة سنة، او عشرين سنة، وإذا هبط الرقم يقولون إثنتى عشرة سنة، ثم يضيفون أثناء السجن قرأنا روايتك العين ذات الجفن المعدنى واستفدنا منها كثيرا، فاصمت لاننى لا اعرف ما يمكن أن اقوله إزاء ما أسمعه عن المعاملة التى كانوا يلاقونها مدفونين فى زنازين تحت الأرض، لا يخرجون منها.
هكذا بدا الشاب الذى لم يتجاوز عمره ألآن ثلاثة وعشرين سنة رحلاته إلى المغرب، ومغامراته فيها ولقاءته التمهيدية مع خمس من الضباط المفرج عنهم إختارهم بنفسه ليقوم بلإعداد لهذا الفيلم، ثم بكتابة السيناريو وإخراجه. إسم المخرج الشاب هو دافى زيلبرفاجن. ألتقيت به عدة مرات أثناء الملتقى، وتحدثنا طويلا، واريد أن أكتب عنه، وعن فيلمه فى مقال منفصل.
إلى فاس وطنجة
بعد الملتقى قمنا بزيارة إلى مدينة فاس المشهورة بمبانيها وأسوارها وشوارعها القديمة. فى النهار تجولنا فيها هابطين صاعدين فى الطلعة الكبيرة بين مئات من الناس والحوانيت، بين القاهى والمطاعم، واسواق الفواكه والخضر ومحلات الفطائر والحلويات والجبن ، والدواب، وعربات اليد تحمل مختلف البضائع، راقدين الليل فى قصر المرنيسى تحول إلى فندق من نوع الرياض المعروف فى المغرب، وأصبح ألآن مقرا خصصه المركز الثقافى الفرنسى لإقامة الكتاب. بعد ذلك إنتقلنا إلى مدينة طانجة حيث قضينا ثلاث ليالى فى فندق كان يقيم فيه الكاتب المغربى الراحل محمد شكرى الذى إستضافنا فيه أصحابه فقد رفضوا أن ندفع أجرها لأننى كاتب قرأوا لى عندما كانوا فى السجن. فى طنجة صعدنا إلى قمة تل يطل على التقاء محيط ألأطلسى والبحر ألأبيض المتوسط، وعلى جبل طارق، القائم على بعد 14 كيلومترا من طنجة. هبطنا فى مغارة تنفتح على المحيط وتدخل أليه أمواجه فى العواصف، ثم تناولنا طعاما للغذاء من سمك أسمه فرخ البحر مطهى فى طاجن خاص بالخضروات والبطاطس.
كانت رحلة ممتعة فى بلد جميل يصعب وصف كل ما عشناه، ورأينه فيه بفضل الجهود التى بذلها الذين نظموا الملتقى واحتفوا بنا.