بزاف د الحرام ف درهم الحلال

كان جمهور القنيطرة يوم أمس الخميس (29ماي2014) على موعد مع مسرحية “درهم الحلال” للراحل إدريس التادلي.. وجدتها فرصة لتجديد النشاط، فأنا لم أحضر سوى مسرحيتين أو ثلاث منذ أن قدمت إلى القنيطرة قبل 5 سنوات، بعدما كنت مدمنا على ذلك سابقا.

حان وقت العرض.. لكن القاعة لازالت شبه فارغة.. فقرر المنظمون تأجيل البدء قليلا (أكثر من ساعة).. وأخيرا بدأ العرض

عموما، أعجبتني المسرحية.. نص جميل يتحدث عن الفوارق الطبقية وصراع الأغنياء وأحلام الفقراء في عالم الباطرونا والتهرب الضريبي… في قالب كوميدي جميل، زاده روعة تألق الثلاثي “الهادي”، “نضيرة” و”نجمة”.. متعتي نغصتها فجأة ضحكة خافتة..

لم تكن الضحكة سوى لفتاة لا أظن أنها تتجاوز الثالثة عشرة من عمرها، حين أخرج أحد الممثلين من حقيبة، ملابس أنثوية داخلية.

لن أتحدث عن الحلال والحرام، وإن كان لي كل الحق في ذلك، خاصة وأن المسرحية “درهم الحلال” ترمز إلى العواقب التي تصيب المرء عندما يكون مصدر رزقه حراما، وبالتالي فهو نص مسرحي بمرجعية دينية في قالب اجتماعي، وسأكتفي بالتساؤل: كيف لفرقة تعرف مسبقا أن مسرحيتها حبلى بالإيحاءات الجنسية قولا وفعلا، لا تنبه إلى فرض سن أدنى للحضور؟؟ بماذا سيجيب الأب الذي اصطحب طفله ذا السنوات الست وابنته المراهقة، عندما سأله الأول: “مالهم مريشين أ بابا؟” معلقا على لقطة قاطع فيها العامل خلوة رب المعمل وزوجته؟؟؟

رغم ظلام القاعة حاولت التفرس في وجوه الحاضرين.. فإذا بنسبة هامة من الحضور يافعون في مرحلة الإعدادي أو بداية الثانوي، لم يشدهم في المسرحية إلا الإيحاءات الجنسية والقبل والأحضان.. ترتفع صيحاتهم وهتافاتهم مع كل إثارة.

في الظلام الدامس، عندما يطفئ المخرج جميع أنوار الركح في لقطة من اللقطات، تسمع عبارات من هنا وهناك “حيد يدك أ هيا” “أش كدير” … لأدرك أنني، وبعض القلة، لسنا مع جمهور يحترم المسرح ويعي أدبياته.

أعود لأتساءل مرة أخرى: كيف تم فتح العرض للعموم، صغارا وكبارا “بمربع أخضر”؟؟ فالمتعارف عليه دوليا: إما أن تفتح العرض للعموم محترما جميع الفئات العمرية، أو تحديد الفئة المناسبة إن كان بالعرض ما لا يتلاءم مع الجميع.

بهذا الخصوص، أستحضر ما حدث أول أمس الأربعاء، عندما كنت برفقة بعض المتطوعات الفرنسيات (في بداية عقدهن الثالث) اللاتي يرغبن في إعداد قاعة ترفيه لأطفال أحد الملاجئ.. شاهدت إحداهن لعبة GTA الشهيرة من بين الألعاب التي أحضروها معهم، فقامت بحذفها لأنها لا تتناسب مع تلك الفئة العمرية..

تبا لكم (باعتماد ترجمة mbc2) !! كيف لأجنبية شابة أن تراعي ما يحتاجه أبناؤنا ولا تقومون بذلك أنتم الراشدون الكبار بلابلابلا؟؟

لقد نظم العرض في قاعة البلدية، بترخيص من المجلس البلدي، وقد حضر أحد ممثلي السلطة حتما العرض ليرفع تقريره لمسؤوليه.. أتساءل هل تم تنبيه الفرقة إلى ذلك، أم أن الأمر لا يستحق؟ أم إن تدخل الداخلية لا يكون فيما يهدم أخلاق المجتمع بل فيما يبنيه ويقويه ويفتح عينيه على حقوقه وواجباته؟؟؟؟

كنت وسأبقى أعتبر المسرح ذلك الفن الراقي الجميل الذي يحتاج لموهبة عجيبة وتدريب طويل.. لا توجد فرصة ثانية لإعادة المشهد ولا لقطع مشاهد غير لائقة كما في الأفلام.. وبالتالي فلا مجال فيه للمؤمنين بمبدإ “كور وعطي للعور”..

المسرح يبني المجتمع، يسلط الضوء على همومه ومشاكله، يقدم حلولا لها.. يغرس القيم الراقية في المتفرج، وليس العكس..

أعجبتني المسرحية، لكن هذه الهفوة جعلتني أفكر جيدا في قصد المنظمين؟؟ هل هي خطأ قاتل دون قصد أم كان ذلك عمدا؟؟ الثانية خطيرة، أما الأولى فأعلق عليها بما قال الشعراوي رحمة الله عليه: لا تحتاج لأن تكون عميلا لتخدم عدوك.. يكفي أن تكون غبيا




شاهد أيضا