لسنا بخير!


حين تلوذ بي رائحة الشّواء المنبعثة من تلفاز «سوني» القديم، أنحدر لما لا نهاية في فخّ سؤال لئيم يدوّخني: لأي حدّ تناسبنا الحياة والفرح؟ وكم يلزمُنا لنعيد ترميم قلب تفحّم مذ خرقنا قوانين الشروق واستبدلناها بصلاة الغائب وباقة من زهور الأوركيد؟
لا أزال أذكر حين كنت بالرابعة عشرة من عمري وكتبت كلاما غاضبا من أجل فلسطين.. يومها شجعني أستاذي وأخبرني أن بالسّنوات القادمة أشياء كثيرة ستتغيّر للأفضل.. ومرّت السنّوات ولا شيء جديد تغيّر سوى أنني صرت أقلّ غضبا وأكثر سعادة، وازدحمت اللاّئحة بأسماء دول أخرى باللون الأحمر.. فمات الآلاف من العراقيين بأبو غريب وخارجه ودفنت آلاف المخطوطات والكتب من تراث وعلوم لعقود خلت، وتلطّخ الإسفلت بدماء الآلاف من الليبيّين بالشوارع في الخريف العربي، وخان العهد «السيـسي» الذي يشبه ذبابة «التسي تسي» في أن كليهما يساهم في تلويث من حوله. فهذه الذبابة تنقل مرض النوم وهو داء «المثقبيات الإفريقي» وجرثومة مصر تصهين على ضوء النّهار وأعلن للنّوام أنه هو زعيمهم الجديد. واحتلّ وحش الغابة الواجهة في سوريا وتغوّطت السماء في عهده لأوّل مرة أمطارا كيماوية من «غاز الأعصاب» في «مذبحة الغوطة»، وفرض علينا أن نعطّر الفم بأبيات للمتنبّي مُمتنّين لصدق اللغة في أحرفه حين قال: «مات في القرية كلب فاسترحنا من عواه، خلف الملعونُ جروا فاق بالنّبح أباه».. وصار اللّحم المشوي في «بورما» كالكفتة لا يفرقه عنها سوى أصابع ورؤوس مبعثرة في كلّ مكان، وغرقنا ضحكا في فيلم «الطريق إلى كابول»  وغرقت أفغانستان في الهيروين والأفيون وجذبت جيولوجيتها الطرية المغضوب عليه بوش فأفرد لها نصيبها من بركة الجيش الأمريكي والبريطاني، وبعد مذابح الأرمن ومجازر صبرا وشاتيلا ودير ياسين، يتجدّد العهد بخوار الإنسانية من جديد في غزة وقبلها في دارفور، والمحسوب عليهم أمرنا غاضبون جدّا جدّا، لذلك فهم لا يتوقّفون عن التنديد ..
وأحد الأساقفة يعرّي حقيقة أنّ فلسطين تدفع ثمن الهولوكوست، ومحمود عبّاس يقدّم التعازي لعائلات ضحاياها في ذكراها قبل أشهر ويقدّم في نفس الوقت التعازي لعائلة «أبو خضير» الطفل المشويّ حيّا !
وإن سبق أن كان الفضل للقسّ «ديزموند توتو» في إخراج مصطلح «أمة قوس قزح» للوجود بعد تحرّر نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، فإنني آخذ على عاتقي إطلاق مصطلح «أمّة اللاّفتات» علينا وعلى شعوبنا المصاب رؤساؤها بالبواسير من كثرة الالتصاق بالكراسي !
وفي الختم، ترى إلى أين يسير العالم؟ وهل سيغفر لنا العالقون قسرا في البرزخ أم سنذوب بحقّ الأفضلية على الصّوفيّين في هذا البيت الأصيل: نحن قوم مُتنا وذلك شرط في هوانا فلييئس الأحياءُ !




شاهد أيضا