بمناسبة حلول عيد الاضحى ، تزدهر عديد المهن المؤقتة التي تعفي الشباب مؤقتا من شبح البطالة و توفر لهم بعضا من المدخول قد يعينهم على قضاء مأربهم الخاصة، و من بين المهن التي تنشط في مثل هاته المناسبة نذكر الشناقة و الحمالة و باعة الفحم و التبن و شحدذ السكاكين و الجزارة و غيرها من المهن الموسمية ، حيث يحرص آلاف الشباب و الأطفال في مختلف المدن بالمغرب على مزاولة هذه المهن المختلفة من أجل كسب بعض المال الذي يتيح لهم تدبر مصاريفهم الخاصة أو لمساعدة أسرهم الفقيرة، ومنهم من يوفر مدخول مهنته المؤقتة ليقتني بدوره أضحية العيد.
الكسابة و الشناقة .. و في ذلك فليتنافس المتنافسون
إذا كان عيد الأضحى يساهم في تأزيم وضعية بعض الأسر من خلال الضغط على ميزانياتها، فإن الكسابة يجدون فيه مناسبة لتسويق قطيعهم بأعلى الأثمنة، إذ أن الارتفاع الملحوظ للطلب الاضطراري على الأضاحي خلال مدة محددة يجعل الكسابة في وضع مريح لفرض الثمن الذي يريدونه، كما يدخل على الخط بعض “الشناقة” أو الوسطاء الذين يصعبون المأمورية على الراغبين في اقتناء الأضاحي، إذ مع عرض الخرفان و الأكباش للبيع، تنشط مهنة مرتبطة بهذا العرض و الطلب ارتباطا وثيقا و مباشرا، و يتعلق الأمر ب”الشناقة” أو “السبايبية”، و يقومون هؤلاء بشراء بعض الأكباش بثمن معين، ثم يعيدون بيعها بسعر أعلى، ما يجعل أثمان الأضاحي مرتفعة نسبيا، ويكون المشتري “الضحية” الرئيسي لهذا النوع من المضاربة، و هناك من “الشناقة” المضاربين الذين يكتفون بشراء كبش واحد و يعيدون بيعه في اليوم نفسه، تجنبا لخسارة محتملة بفعل تقلبات الأسعار، و بذلك يضمنون ربحا قليلا لكن مؤكدا.
الحمالة و شحذ السكاكين .. مهنة من لا مهنة له
بعد شراء الكبش يكون صاحبه مضطرا للبحث عن من يحمله، فيجد عددا من الشباب يتسابقون نحوه من أجل عرض خدماتهم، وهذه المهنة لا تتجاوز مدتها أسبوعان داخل أسواق الأغنام، إذ تمثل هذه المناسبة فرصة لمجموعة من الشباب العاطل للحصول على قدر من المال، ومنهم من يكتفي بحمل الأكباش على ظهره لإيصاله إلى السيارة، في حين أن البعض الآخر يحمل الكبش على متن العربات المجرورة إلى منزل الزبون، الأطفال بدورهم يحملون رزما من الحبال ويطوفون بها لبيعها، إذ كل من يشتري كبشا يحتاج لحبل يربطه ويجره به.
وتزدحم الشوارع الرئيسية بمختلف المدن بالعربات المجرورة التي يضع فيها الشباب أكباش الزبائن، ثلاثة أو حتى أربعة خرفان دفعة واحدة، وكل زبون له وجهته الخاصة، فيتم أحيانا التسابق بين سائقي العربات من أجل ثمن يتراوح بين 10 و50 درهما، حسب المسافة الفاصلة بين السوق ومنزل الزبون.
من جهة أخرى تنشط ظاهرة شحذ السكاكين أو “تمضية جناوة” و باقي الآلات و الأدوات المُعدة لذبح الأضاحي ، حيث يحضر الشباب من مختلف الأعمار طاولات خشبية بسيطة يضعون عليها تلك الآلات لإعادة تحيين السكاكين وشحذها مقابل ثمن ينراوح بين 10 و 30 درهم للسكين الواحدة حسب نوعية و مكان العملية.
باعة العلف و الفحم .. حين يصبح راس المال ضرورة ملحة
بعد شراء العيد تبدأ الأسر في البحث عن الأعلاف التي ستقدمها إلى الأكباش، و هي المهمة التي يتكلف بتوفيرها مجموعة من الأشخاص، إذ يعرضون أكواما من مختلف أنواع العلف و التبن على الأرصفة في الأحياء الشعبية و تقاطعات الشوارع والأزقة، من أجل ضمان مصروف الجيب خلال أيام العيد ، و هناك بعض الطلبة الذين يمارسون هذه المهنة خلال الأسبوع الأخير قبل العيد لضمان مدخول يساعدهم على تغطية جزء من تكاليف الدراسة. و يمتد هذا النشاط ابتداء من دخول القطيع إلى الأسواق إلى غاية اليوم الأخير قبل العيد، و تتراوح الموارد التي يحصل عليها العاملون في هذه “المهنة” ما بين 1500 و 3 آلاف درهم، حسب نوعية الزبائن و الموقع الذي يوجد به كل شخص.
كما تحرص فحة اخرى على بيع الفحم أو “الفاخر” كما هو متداول ، في حين يجمع البعض بين الاثنين في خيمة تنصب في راس كل درب و غالبا ما يديرها شباب الحي الباحثين عن مدخول مناسباتي قد يعينهم على قضاء مجموعة من الأغراض.
الذبيح و تشواط الريوس .. ملي تطيح البكرة يكثرو جناوة
يوم العيد يتنافس الشباب الذين خبروا كيفية ذبح الاضاحي مع الجزارين الذين يكثر عليهم الطلب في مثل هذا اليوم ، الكل يرتدي “بلوزة” بيضاء و يحمل معه سكاكين مختلفة الأحجام و يطوفون في الأحياء و الأزقة باحثين عن لقمة عيش موسمية ، فمنذ الساعات الأولى من صباح يوم العيد ينتشر الجزارون المهنيون و الهواة في شوارع المدن و دروبها و هم يعرضون خدمات ذبح و سلخ الأضحية ، حيث تبدأ مهمة هذه الفئة في الصباح و تنتهي عشية اليوم، إذ يجهزون العتاد و يتوجهون رفقة مساعدين لهم إلى المنطقة التي ألفوا الاشتغال فيها، و منهم من يتوفر على زبائن كثر، بحيث تتم عملية الذبح بعد الاتفاق على ثمن الخدمة مع الزبون، و التي تتراوح في الغالب ما بين 150 و 200 درهم، مع إمكانية الحصول على امتيازات أخرى كتمكينه من أحشاء الخروف و “البطانية”، و من الجزارين من يمتهن حرفة “السلخ” بشكل موسمي لمعرفته بتفاصيل المهنة، و منهم من يستعين بأبنائه لتسهيل الخدمة، و بين الفينة و الأخرى يتلقى مكالمات هاتفية من زبناء ينتظرون قدومه.
و لأن الكل يشتغل في هذا العيد ، يتسابق الأطفال و الشباب على “تشواط” رؤوس الأكباش ، فمباشرة بعد انتهاء عملية نحر الخرفان، تندلع النيران في بقايا الخشب في الشارع العام، حيث يشرع مجموعة من الشباب في إعفاء النساء من مشقة “تشويط” الرؤوس، و تقديم خدمة مهمة لهن تتجاوز رؤوس الأكباش إلى الأطراف عبر محرقة في أفران عشوائية في إطار تعاوني، حيث يتكلف البعض بطرق أبواب الجيران لجلب الرؤوس، و منهم من يبحث عن المواد الخاصة بإضرام النار من خشب وما شابهه و منهم من يساهم في رفع اللهيب و إشعال النيران وآخر يمتهن مهمة أمين الصندوق ، فلكل فريق مهامه الخاصة و تتراوح أثمنة تشواط الراس و الأطراف غاليا بين 20 و 40 درهم.
ثاني أيام العيد .. جمع “البطاين” و “تفصال” الأضحية
في ثاني ايام العيد بل وربما مباشرة بعد ذبح الاضاحي و قبل أن تجف “البطاين” يطوف عبر الأحياء الشعبية أسطول من تجار الدباغة الذين يستغلون الفرصة لجمع أكبر عدد من الجلود التي تباع لشركات الجلد، إذ تستعمل في صناعة الآلات الموسيقية و صناعة الجلد التقليدية و تشكل مواد أولية لمنتوجات عاشوراء.
و يركز “جامعو البطاين” على التجمعات السكنية الآهلة بالسكان، حيث يفضل البعض منح الجلود مجانا أو رميها في صناديق النفايات، نظرا لما تشكله رائحتها من اختناق، لتتولى العربات المجرورة و كذا الدراجات النارية ذات الدفع الثلاثي جمعها من أجل غسلها و تسويق جلدها و صوفها بعد بيعه لتجار ينشطون في هذه الفترة.
كما تنشط في ثاني ايام العيد خدمة تقطيع الأضحية أو “تفصال الحولي” ، و هي مهنة يختص فيها الجزارون أو حتى هواة المهنة سواءا بمنزل الزبون أو في محل الجزارة و تدر على صاحبها ما يفوق 100 درهم ل”سكيطة” الواحدة.

