إحتفال بثلة من خيرة أساتذة علم الاجتماع بجامعة إبن طفيل بالقنيطرة

نورالدين لشكر k36.ma

في ظل الأجواء الاحتفالية للشعب المغربي بما حققه المنتخب المغربي والاستقبال الملكي المشرف للاعبين، على ماحققوه في مونديال قطر، عرفت رحاب كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة بن طفيل، احتفالا من نوع خاص، هذه المرة احتفال بثلة من خيرة أساتذة علم الاجتماع بالكلية، وهم السادة عمار حمداش وزهور الشقافي وعبد الله محسن، وقد حضي التكريم بحضور جم غفير ووازن ونوعي من الأساتذة زملاء المكرمين وعدد من الطلبة والباحثين..

في ظل هذه الأجواء كان لمجموعة من الباحثين من حملة الدكتوراه، خريجي نفس الكلية والشعبة مساهمة في التكريم، وانطلقت مساهمتهم من سؤال مؤداه، ماذا يعني الاحتفاء بالنسبة لباحثين خريجين من جامعة بن طفيل؟

إنه أولا شكر لمؤسسة حاضنة للتكوين والبحث، كان لها الفضل الكبير في تكوين هؤلاء الطلبة منذ بدايات مسارهم الجامعي إلى نهايته… ثم هو تنويه خاص بشعبة علم الاجتماع التي بدأت تنتج عددا من الأطروحات الجامعية بشكل مسترسل وضمن اهتمامات متنوعة.. المجال.. الهجرة.. الفاعل المدني.. الخبرة.. النزع.. الجوار.. الجريمة.. ناهيك عن عدد من الباحثين ممن حازوا شواهد الاجازة والماستر واستكملوا مسارهم البحثي بجامعات مغربية أخرى …

لقد التقت إرادة هؤلاء الباحثين لتحقيق هاته الغاية وتكريسا لثقافة الاعتراف فتجسدت في واحد من أساتذة شعبة علم الاجتماع واحد مؤسسيها .. والذي كان له فضل كبير على أجيال من الطلبة.. فلا يمكن إحصاء عدد الطلبة الذين يساهم الأستاذ الجامعي بشكل عام، في تأطيرهم بشكل مباشر أو ضمن مجموعات، أو بشكل غير رسمي (لقاءات خارج أسوار الجامعة)، وكم يعاني عدد من الأساتذة الباحثين من إشكالية تدبير حجم العلاقات المهنية التي تتراكم على الأستاذ سنة بعد أخرى، وفوجا بعد آخر من أفواج الطلبة والباحثين الشباب؛ غير أن الأستاذ حمداش، وبشهادة عدد كبير من الطلبة الباحثين يطوق نفسه بالتزامات، يرى كثير من أقرانه أنه في حل منها، ولا داعي لها. فهو يحرص على إضفاء بعد أخلاقي ضمن هذه العلاقة الشيء الذي ينشأ عنه نوع من التقدير والإحترام لشخص الأستاذ.  وهذا يعبر عن مسألة أخرى غاية في الأهمية وهي تشرب وانغراس أخلاقيات البحث العلمي لدى الباحث. الأمر نفسه نلمسه في الدراسات والابحاث الميدانية التي يقوم بها الأستاذ عمار، فكثرة الدراسات والمقابلات إن مع الأفراد أو المجموعات البؤرية، قد تجعل عددا من الباحثين يصلون لدرجة يفقدون معها حميمية العلاقات بل وكلفتها أحيانا، غير أن الأستاذ حمداش، بناء على ملاحظات العديد من طلبته، تبين أنه لايزال مرتبط بعدد كبير من العلاقات، مع أشخاص أجريت معهم أبحاث لصالح جهات معينة ولم يستطع أخلاقيا قطعها.

يمثل ذ عمار إذن واحدا من الرعيل الأول الذي تخرج على يد رائد السوسيولوجيا المغربية المرحوم محمد جسوس، وقد اجتمعت إرادة الباحثين على الإحتفاء به ضمن الإطار الذي طالما ناضل من أجله، سواء داخل الجامعة أو خارجها.. ألا وهو الإنتصار للبحث العلمي والإنتاج المعرفي.. لكل هذه الاعتبارات، تم إنتاج مؤلف جماعي يضم أوراقا حول أبرز إنتاجات الأستاذ عمار.. فالفكرة الجوهرية التي تم الاشتغال عليها هي .. “كيف نحول اعترافنا من الشفوي إلى المكتوب؟”.

إن الباحثين الذين اشتغلوا على هذه الصيغة من التكريم لم يكونوا مقتنعين مطلقا بعبارت من قبيل “مبروك، بالتوفيق، هنيئا.. وهلم جرا” من مسكوكات تنتمي إلى تقليد الشفهي الذي لايقدم ولايؤخر في مراكمة المعرفة العلمية، فهي وإن كانت تفي بالغرض من حيث التفاعل الإيجابي مع الشخص المحتفى به أو صاحب منتج ما، إلا أنها سلبية حيث التفاعل النقدي المعرفي..

المؤلف الجماعي ضم ستة عشرة ورقة تعريفية بمنجزات ذ عمار حمداش، وقدم له أحد رواد السوسيولوجيا المغربية الدكتور عبدالرحمن المالكي، وتضمن شهادات أساتذة من جامعات مغربية مختلفة وهم السادة: مصطفى محسن، أحمد بوزيان، الجيلالي العدناني، عبد الغني شفيق، ادريس أيتلحو، محمد سلمي، بن محمد قسطاني، إبراهيم بوطالب، كريمة الوزاني، إبراهيم الحمداوي، صدقي البطبوطي، عبد الله محسن، ومحمد الهجابي. كما قام بتحكيم هذه الأوراق كل من السادة الأساتذة عبدالله العلوي أبو إياد، يونس الحياني، عمر الايبوركي وادريس الادريسي. 

فترسيخا لتلك الإرادة التي تشكلت لدى أصحاب هذه المبادرة الأثيرة، والتي تنشد تحقيق شكل من أشكال الإبداع والتراكم المعرفي، وتكريسا لثقافة الاعتراف التي باتت تشهد تصحرا مطردا بين الأوساط الفكرية والبحثية، تأتي هذه المبادرة التكريمية والاحتفائية. ولعل ما يجعل ثقافة الاعتراف تترسخ بالفعل، بعيدا عن كل أشكال التبخيس وعدم الاهتمام بإصدارات ومشاريع الباحثين في الحقل السوسيولوجي، إقدام أصحاب هذه المبادرة على إخراج مؤلف جماعي/ أنطولوجيا إلى النور، يعنى بكتابات الباحث المحتفى به. ويتأتى هذا، من خلال التعريف بمشاريعه العلمية السابقة والراهنة، في سياق الاعتراف الجماعي بمختلف الإصدارات والإنجازات التي تم توقيعها والترافع بشأنها من طرف الباحث.

إن الأهمية التي تنطوي عليها هذه المبادرة تتمثل في تأسيسها المعرفي للحوار بين الأجيال، وعملها على تجسير هذه القرابة المعرفية، أي قرابة المعنى. هذه الأجيال اللاحقة التي تمتلك فرصة الانطلاق من نظريات ونتائج أبحاث سابقة، ومحاولة التأسيس عليها لتقديم أجوبة تهم القضايا الراهنة وفق التحولات التي يشهدها المجتمع، والتي تنتج أشكالا جديدة للوجود الإنساني.