في عالم إفتراضي مليء بالتفاهات، كانت هناك امرأة اسمها “مي السعدية”، ترتدي عباءة العمر وتحمل عبء السن، لكنها لم تكن كبقية النساء في سنها، كانت تتأرجح بين لحظات الفرح والمرح، تستعرض حياتها العادية بطريقة غير عادية، على خشبة المتاهات الرقمية لمواقع التواصل الاجتماعي.
كانت “مي السعدية ” تمتلك ذلك السحر الخاص الذي يجذب المشاهدين، فكانت مقاطعها تنتشر كالنار في الهشيم، محركةً المشاعر ، لم تكن مجرد امرأة عادية، بل كانت أيقونة محبوبة على الإنترنت، ملكة تكتوك بامتياز.
ولكن وسط كل هذا الضجيج الافتراضي، كان هناك سؤال يرن في أذهان الجميع، كيف يمكن لامرأة في سنها المتقدمة أن تغوص في هذا العالم الرقمي الملتهب بالشباب والطاقة؟ وهل كانت حقاً تستمتع بكل تلك المقاطع، أم أنها كانت تقم بدور ليس لها؟ ومن يدفعها لذلك؟ وبأي حق؟ .
فجأة انطفأت شمعة “مي السعدية”، تاركةً وراءها سيلاً من الجدل والتساؤلات الاخلاقية والقانونية.
“مي السعدية”، تعرضت للإستغلال عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لم يكتف المستغلون بمشاركة لحظات مرحها وغرابتها، بل تجاوزوا الحدود عندما بثوا لحظات وفاتها بلا شفقة أو احترام او توقير، في سعيهم الجشع لتحقيق المزيد من المشاهدات والأرباح.
لقد تحولت لحظاتها الأخيرة إلى مادة للتشويق، حيث لم تكن تغيب الكاميرات عنها حتى في تلك اللحظات الأكثر خصوصية، تحولت أنفاسها الأخيرة إلى مادة للبث المباشر، وتحولت وفاتها إلى عرض شبه مسرحي على شاشات الهواتف الذكية، في حدث يظهر بوضوح الانحطاط الأخلاقي الذي وصلت إليه بعض أصحاب النفوس الضعيفة على الإنترنت.
هذا السلوك اللاإنساني يستدعي التفكير بجدية حول ضرورة وضع قوانين تحمي كرامة الأفراد، سواء كانوا في سن الشيخوخة أو في أي مرحلة أخرى من الحياة، من استغلال محتمل عبر منصات التواصل الاجتماعي.
وانا أشاهد الفيديو الأخير “لمي السعدية”،وهي تودع العالم، تخيلتها تقول (( لم تحترم كرامتي وانا حية بينكم، فهل تراكم تأخذون حقي في احترام خصوصياتي في أكثر لحظات الإنسان ضعفا ووهنا وخصوصية وانا أودع هذه الحياة.