اوسار أحمد – k36
عندما تحدث الفيلسوف اليوناني أرسطو عن الإنسان ككائن اجتماعي، لم يكن ليتصور التحولات الهائلة التي سيشهدها المجتمع البشري في القرن الحادي والعشرين. اليوم، يبدو أن الإنسان قد تحول إلى كائن افتراضي بامتياز، معزول عن التفاعل الاجتماعي المباشر بفعل التكنولوجيا والجائحة.
ما يحدث اليوم في بعض مدن المملكة المغربية هو مثال حي على هذا التغير الجذري. بعض الأماكن التي كانت تعج بالحياة الليلية والمقاهي والأماكن الاجتماعية، تشهد الآن انخفاضًا ملحوظًا في نشاطاتها، حيث أغلقت مجموعة من الأماكن أو باتت تعاني من قلة الزبائن. الأسباب الاقتصادية مثل ارتفاع تكاليف المعيشة وصعوبة العثور على فرص العمل قد تفسر جزءًا من هذا التحول، لكن السبب الأكثر تأثيرًا هو التحول الاجتماعي الناتج عن التكنولوجيا وجائحة كورونا.
في التسعينيات، رغم الصعوبات الاقتصادية، كانت المدن المغربية تعج بالحياة والنشاط الاجتماعي. ساعات العمل الطويلة والتنقل الشاق لم تكن تمنع المغاربة من الاستمتاع بأوقاتهم في المقاهي والمطاعم والأسواق. لكن اليوم، تباعد الناس اجتماعيًا بفعل الجائحة، وتبني التكنولوجيا سهل هذا التباعد وحوله إلى نمط حياة دائم.
مع رفع قيود الحجر الصحي، لم يعد الناس إلى حياتهم السابقة. بل استمرت فئة لا بأس بها في اعتماد العمل عن بعد، والذي أصبح شبه نمط معيشي جديد، خاصة بين الشباب. العودة إلى الحياة الطبيعية بعد الجائحة كانت بمثابة صدمة، حيث أصبحت بعض المدن المغربية أكثر هدوءًا وخالية من الحيوية الاجتماعية التي كانت تميزها.
الهاتف الذكي والأجهزة اللوحية، التي كان يُنظر إليها كفرصة للتخلص من ضغط الحياة، تحولت إلى نعمة ملعونة، حيث أفقدت الناس التواصل اليومي والتفاعل البشري. حتى التسوق، الذي كان يعتبر فرصة للتفاعل الاجتماعي، أصبح يتم عبر الإنترنت، مما زاد من عزلتنا. الأجهزة الذكية والإنترنت لم تقتصر فقط على تسهيل العمل عن بعد، بل شملت أيضًا التعليم والتسوق والترفيه، مما حولنا إلى كائنات تعيش في عالم افتراضي بحت.
اليوم، يعيش جزء كبير من المغاربة ويعملون من على هواتفهم. هذا التحول لم يقتصر على العمل فقط، بل شمل أيضًا التعليم عن بعد، مما جعلنا كائنات تعيش في عالم افتراضي بالكامل. التكنولوجيا لم تحرم الناس فقط من فرص التفاعل البشري في الأسواق التقليدية، لكنها حولت حتى التواصل الهاتفي إلى تفاعل مع برامج دردشة بدلًا من البشر الحقيقيين. البنوك أغلقت العديد من فروعها وتحولت إلى المعاملات عبر الإنترنت، مما عمق من عزلة الناس.
لو كان أرسطو بيننا اليوم، لما تردد في إعادة صياغة مقولته الشهيرة ليقول: “الإنسان كائن افتراضي.” إن هذا التحول نحو الحياة الافتراضية يطرح تساؤلات عميقة حول مستقبل التفاعل الاجتماعي البشري وكيفية استعادة التوازن بين الحياة الرقمية والحياة الواقعية في المملكة المغربية.