اوسار احمد – المغرب
في ظل التطورات الأخيرة التي شهدتها العلاقات المغربية الإثيوبية، برزت تساؤلات وتحليلات حول تداعيات هذا التعاون، خاصة بعد توقيع اتفاقية التفاهم العسكري بين البلدين. استضافة المغرب للماريشال برهانو غولا جيلالشا، رئيس الأركان العامة لقوات الدفاع الوطني الإثيوبية، أثارت ردود فعل غاضبة من بعض الأوساط المصرية، تعكس قلقًا متزايدًا حول هذا التقارب في سياق التوتر القائم بين مصر وإثيوبيا بشأن سد النهضة.
خلفيات التعاون المغربي الإثيوبي
العلاقات بين المغرب وإثيوبيا تعود إلى عام 2016، حين استعاد المغرب مقعده في الاتحاد الأفريقي، وبدأ في توطيد علاقاته مع الدول الأفريقية من خلال جولات ملكية واتفاقيات اقتصادية. كانت إثيوبيا إحدى المحطات الرئيسية في هذه الجهود، حيث شهدت العلاقات بين البلدين تطورًا كبيرًا على المستويات الاقتصادية والسياسية، وصل الآن إلى التعاون العسكري. هذا التعاون الجديد يعكس رغبة البلدين في تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، وهو ما يمكن أن يُفسر في إطار السياسات السيادية للدولتين.
القلق المصري: تحليل للأسباب والدوافع
ردود الفعل المصرية تجاه هذا التعاون تعكس قلقًا يتجاوز البعد العسكري إلى جوانب أخرى تتعلق بالمصالح المصرية في منطقة القرن الأفريقي. سد النهضة الإثيوبي كان ولا يزال مصدر توتر كبير بين القاهرة وأديس أبابا، لذا فإن أي تقارب بين إثيوبيا ودولة ذات ثقل دبلوماسي مثل المغرب يثير تساؤلات حول دوافع هذا التقارب وما إذا كان يحمل رسائل مبطنة لمصر.
الهجمات التي شنتها بعض الأطراف المصرية عبر وسائل التواصل الاجتماعي على المغرب تُظهر أن هناك تخوفًا من أن يكون هذا التعاون جزءًا من استراتيجية أوسع تهدف إلى تعزيز موقف إثيوبيا في نزاعها مع مصر. ومن هنا، يمكن فهم التصعيد الإعلامي بأنه محاولة للضغط على المغرب وإرسال رسائل إلى أديس أبابا بأن القاهرة تراقب تطورات الوضع عن كثب.
المغرب وسياسته الخارجية: الحياد النشط والدبلوماسية الهادئة
المغرب، من جهته، يعتمد سياسة خارجية ترتكز على الحياد النشط وعدم التدخل في النزاعات الإقليمية. هذه السياسة تجلت بوضوح في تعامله مع عدة ملفات شائكة، سواء على المستوى العربي أو الأفريقي. فالمغرب يسعى دائمًا إلى تعزيز التعاون والتكامل مع مختلف الدول، دون أن يكون طرفًا في أي نزاع، حتى لو تعرض لاستفزازات مباشرة كما حدث في السابق مع مصر عندما شاركت في لقاءت ضمت ممثلين عن تنظيم البوليساريو الارهابي.
التقارب المغربي الإثيوبي يجب أن يُفهم في هذا السياق. فالمغرب لا يسعى إلى معاداة أي دولة عربية أو الإضرار بمصالحها، بل يهدف من خلال تعاونه مع إثيوبيا إلى تعزيز الأمن والاستقرار في أفريقيا، وهي أهداف تتماشى مع سياساته العامة تجاه القارة. وبالتالي، فإن التخوف المصري من هذا التعاون يبدو غير مبرر، خاصة إذا نظرنا إلى تاريخ العلاقات المغربية المصرية التي ظلت قوية ومتينة رغم مرورها ببعض الفترات الصعبة.
تداعيات التوتر المصري: ماذا بعد؟
إذا استمرت الأصوات المصرية في مهاجمة المغرب واستغلال التعاون العسكري المغربيألإثيوبي كذريعة لتأجيج التوترات، فإن ذلك قد يؤدي إلى تصعيد غير مرغوب فيه على مستوى العلاقات الثنائية بين البلدين. هذا التصعيد قد يكون له تداعيات سلبية على التعاون الاقتصادي والسياسي بين المغرب ومصر، ويخلق فجوة قد يستغلها أطراف أخرى لتعميق الخلافات.
لكن، على الجانب الآخر، يمكن أن يكون هذا التوتر فرصة لإعادة تقييم العلاقات بين البلدين وبحث سبل تعزيزها بما يخدم مصالحهما المشتركة. فالتحركات الدبلوماسية الهادئة والتواصل المباشر بين القيادات السياسية في البلدين قد يساهم في تهدئة الأجواء وتبديد المخاوف المصرية، ويعيد الأمور إلى نصابها الطبيعي.
دعوة إلى الحوار والتفاهم
في الختام، يبقى من المهم أن تتحلى مصر بالحكمة في التعامل مع هذه المستجدات وأن تدرك أن المغرب، كدولة ذات سيادة، يملك الحق في تعزيز علاقاته مع من يشاء من الدول، طالما أن ذلك يتم في إطار من الاحترام المتبادل وعدم التدخل في شؤون الآخرين. وعلى المغرب أيضًا أن يستمر في سياسته المتوازنة التي تضع مصلحة الشعوب العربية والأفريقية في مقدمة أولوياته.
المرحلة القادمة تتطلب من البلدين تعزيز الحوار وتجنب التصعيد الإعلامي الذي قد يؤدي إلى نتائج عكسية. فالعلاقات المغربيةألمصرية تظل من الركائز الأساسية للعمل العربي المشترك، وأي توتر بينهما قد ينعكس سلبًا على الاستقرار الإقليمي. لذلك، يبقى الحوار والتفاهم هما السبيل الأمثل لحل أي خلافات وتجنب أي صراعات محتملة.