اوسار احمد – القنيطرة
بعد قرار المحكمة الإدارية بعزل أنس البوعناني من رئاسة جماعة القنيطرة، انطلقت شرارة الصراع السياسي بين حزبين بارزين، حزب “الحمامة” وحزب “النخلة”، حيث يسعى كل منهما إلى استقطاب المستشارين لتشكيل أغلبية جديدة تقود الجماعة. وفي مشهدٍ يخيّل أنه ساحة للتنافس السياسي بالافكار والبرامج، نجد أن الصراع سرعان ما انحدر إلى مستوى بعيد عن العمل السياسي النبيل.
التحركات السياسية في كواليس المجلس البلدي لم تبق محصورة في قاعات الاجتماعات، بل امتدت إلى الشارع القنيطري، الذي أصبح ورقة ضغط مؤثرة في تشكيل الخريطة السياسية بالمدينة. هذه التحولات التي قد تبدو في ظاهرها تجسيدًا للتفاعل السياسي والديمقراطي، حملت في طياتها انزلاقات خطيرة تهدد نقاء العملية الديمقراطية.
بدل أن يتحول الصراع إلى منافسة شريفة على تقديم أفضل البرامج التنموية لتحسين أوضاع المدينة، شهدنا لجوء بعض الأطراف إلى أساليب مشينة، مثل نشر الإشاعات والأخبار الزائفة لضرب الخصوم. هذه التصرفات لا تضر فقط بالأطراف السياسية المعنية، بل تسيء إلى العملية السياسية برمتها وتضعف ثقة المواطن في المؤسسات المنتخبة.
إن معركة الاستقطابات التي تشهدها القنيطرة اليوم، للأسف، تعكس أزمة عميقة في العمل السياسي المحلي. فبدلاً من الانشغال بحل مشاكل الساكنة وتقديم خطط واضحة للنهوض بالمدينة في مجالات النقل، البنية التحتية، النظافة والخدمات العامة، أصبح التركيز منصبًا على الصراع الشخصي والنفوذ السياسي. هذا المشهد يعكس انحرافًا واضحًا عن الأهداف الحقيقية للعمل السياسي، وهو خدمة المواطن والمصلحة العامة.
المفارقة هنا هي أن المواطن القنيطري، الذي يُفترض أن يكون المحور الرئيسي لكل هذه التفاعلات، تم تهميشه في خضم هذا الصراع. فالأسئلة الحقيقية التي تهم الساكنة، مثل تحسين الخدمات الأساسية وتطوير البنية التحتية، لم تُطرح بجدية بعد، بل تم استبدالها بمعارك ثانوية لا علاقة لها بمصلحة المواطن.
ما تحتاجه القنيطرة اليوم هو نقاش سياسي حقيقي يرتكز على برامج ورؤى واضحة لحل مشاكل المدينة المتعددة. وعلى الأحزاب السياسية أن تتحلى بروح المسؤولية الديمقراطية وأن تتجاوز أساليب الضرب تحت الحزام التي تُستخدم للتشويه والإساءة. يجب أن يكون النقاش قائمًا على أسس واضحة، وأن تتم مواجهة المواطنين ببرامج واقعية ومقترحات ملموسة.
السياسة، في جوهرها، هي ميدان لخدمة المواطن وليست مجرد ساحة لصراعات نفوذ بين أطراف متنافسة. إن المواطن القنيطري يستحق أن يُسمع صوته، وأن يكون شريكًا في صناعة القرار، وليس مجرد أداة تُستخدم لتصفية الحسابات السياسية.
على المتنافسين في المشهد السياسي القنيطري أن يعيدوا ترتيب أولوياتهم، وأن يضعوا مصلحة المدينة وساكنتها فوق أي اعتبار شخصي أو حزبي. فالمواطن يراقب، والرأي العام لن يغفر لكل من يتلاعب بمستقبله تحت غطاء السياسة.