اوسار أحمد _ القنيطرة
مرة أخرى، تختار الجزائر اللعب بالنار، مستحضرة أحقاد الماضي في قوالب جديدة، لكنها بنفس الأهداف القديمة: زعزعة استقرار المغرب وضرب وحدته الوطنية. مؤتمر “يوم الريف”، الذي احتضنته الجزائر العاصمة، ليس سوى واجهة أخرى لمحاولات يائسة تستهدف وحدة المغرب، تحت شعارات براقة ومضللة “باستعمال الخونة “.
مشهد هزلي آخر، يُعيد إنتاج نفس الخطاب البالي، حيث يتسابق الحاضرون لاستدعاء أحداث تاريخية، وتحويرها لتبدو كأنها مرافعة ضد المغرب. رئيس ما يُسمى بـ”الحزب الوطني الريفي”، يوبا الغديوي، تفوّه بمغالطات تاريخية لا تنطلي حتى على طفل صغير ، أي عبث هذا؟! هل يُعقل أن المغرب الذي قاوم الاستعمار بشراسة ودفع ثمنًا غاليًا لاستقلاله، يحتاج لدروس من أبواقٍ مأجورة؟
لكن السؤال الجوهري هنا: لماذا الآن؟ ولماذا في الجزائر تحديدًا؟
الإجابة واضحة وضوح الشمس في نهار جميل: المغرب حقق انتصارات دبلوماسية ساحقة في ملف الصحراء المغربية، بفضل السياسة الملكية الحكيمة، واستطاع أن يحشر النظام الجزائري في زاوية ضيقة. الاعترافات الدولية بمغربية الصحراء، وافتتاح القنصليات الأجنبية في العيون والداخلة، والتقدم المغربي في الصناعات العسكرية واطلاق مشاريع عملاقة في البنية التحتية واحتضان المملكة لمؤتمرات واستحقاقات رياضية واقتصادية وثقافية كبرى، شكّلت صفعات متتالية لنظامٍ يتغذى على تصدير أزماته. ولم يبقَ أمامه سوى صناعة قضايا وهمية، باستعمال مرتزقة وخونة أغرتهم مخابرات الكابرانات.
النظام الجزائري، الذي يدّعي أنه “معقل الثوار”، يفتح أبوابه لكل صوت معادٍ للمغرب، بغض النظر عن نواياه. ما يحدث ليس حبًا في “الريف” أو دفاعًا عن “حقوق مزعومة”، بل هو امتداد لسياسة قائمة على الكراهية والحقد والتضليل.
تصريحات الغديوي وأمثاله مثيرة للسخرية، وكأنهم يجهلون أن الريف جزء لا يتجزأ من المغرب، بتاريخ مشترك، ومعاناة مشتركة، ومستقبل مشترك.
المغرب، بكل مكوناته، قاوم الاستعمار الفرنسي والإسباني، والريف كان في قلب هذه المقاومة. عبد الكريم الخطابي لم يكن زعيمًا انفصاليًا، بل قائدًا وطنيًا. هؤلاء الذين يحاولون تشويه تاريخه، هم أنفسهم من يحاولون تمزيق الصفحات المشرقة من تاريخنا، واستبدالها بروايات مشوهة تخدم أجندات بائسة لجنرالات يتغدون على الخيانة والغدر .
ما حدث في الجزائر ليس مجرد مؤتمر، بل تهديد للأمن القومي المغربي، ومحاولة جديدة لضرب استقراره. النظام الجزائري، الغارق في أزماته الداخلية والدبلوماسية، يحاول تصدير أزماته نحو المغرب، عبر ملفات مصطنعة وخرجات إعلامية خبيثة.
لكن هيهات! الوحدة الوطنية المغربية أقوى من أن تهزها هذه المناورات، والتاريخ الحقيقي هو الحصن المنيع أمام محاولات التزوير. المغرب، بتاريخ مقاومته ووحدة شعبه وتشبته بملكه الهمام، أقوى من أن تزعزعه هذه الرياح.
فليعلموا جيدًا: أن التاريخ يُكتب بالحقائق، لا بالأوهام .