ليلة القدر في المغرب بين القداسة والغرابة

الأخطبوط الأسود

عتبر ليلة القدر واحدة من أقدس الليالي في شهر رمضان، حيث يُعتقد أنها الليلة التي تتضاعف فيها الأجور وتُستجاب فيها الدعوات. وبالنسبة للمغاربة، فهي مناسبة للخشوع والتعبد، حيث تمتلئ المساجد بالمصلين الذين يحيون الليل بالصلاة والذكر، إيمانًا بفضلها العظيم.

لكن، إلى جانب الطقوس الدينية، تحمل هذه الليلة جانبًا آخر أقل إشراقًا، حيث ترتبط بأساطير الشعوذة والبحث عن الكنوز، وهي ظواهر مترسخة في الموروث الشعبي المغربي، ما يجعلها ليلة تجمع بين الإيمان والخرافة.

الأسواق تنتعش.. والبخور والشمع الأحمر في الصدارة

في العديد من المدن المغربية، مثل فاس ومراكش والدار البيضاء، تشهد الأسواق الشعبية خلال ليلة القدر إقبالًا غير معتاد على محلات بيع الأعشاب والبخور، حيث يعتقد البعض أن هذه الليلة تحمل أسرارًا خفية لمن يعرف كيفية استغلالها.

في زوايا السوق، يُباع “الشمع الأحمر” الذي يُعتقد أنه يمتلك قدرة خاصة عند إشعاله في طقوس معينة، فيما تعرض أنواع غريبة من الأعشاب والزيوت المجهولة، يُروج لها على أنها “تفتح أبواب الرزق” أو “تحمي من العين والحسد”.

لكن من بين أكثر المعتقدات غرابة، يبرز “بيض الغولة”، حيث يسود اعتقاد بأن هذا البيض النادر يمنح حامله قدرات خارقة، مثل رؤية الجن أو القدرة على فك السحر المعقد. ورغم أن العلماء ينفون أي أساس علمي لهذه الادعاءات، إلا أن سوقه السوداء تظل نشطة، حيث يُباع بأسعار خيالية.

البحث عن الكنوز.. ليلة القدر تفتح “أبواب الأرض”؟

إحدى أكثر الظواهر المثيرة التي ترافق ليلة القدر، هي الاعتقاد بأن هذه الليلة تعد الفرصة المثالية لاستخراج الكنوز المدفونة. فبحسب بعض الأساطير، فإن الأرض تُفتح في هذه الليلة، وتظهر الكنوز المخفية لأولئك الذين يعرفون الطلاسم المناسبة لاستدعاء “حراسها” من الجن.

يتناقل البعض قصصًا عن أشخاص وجدوا كنوزًا ضخمة بعدما قدموا قرابين غريبة، أو عن “فقراء” يدّعون امتلاك قدرات روحانية تساعدهم في التواصل مع العالم الخفي لاستخراج الذهب المخبأ. لكن هذه المعتقدات غالبًا ما تؤدي إلى ممارسات خطيرة، مثل ذبح الحيوانات بطرق غير قانونية، أو حتى اختطاف الأطفال، اعتقادًا بأن تقديم “روح بريئة” يفتح الأبواب المغلقة!

وقد سجلت السلطات المغربية في السنوات الأخيرة عدة حالات ضبطت فيها عصابات تحاول التنقيب عن الكنوز في مواقع أثرية ومقابر قديمة، مما يعكس استمرار تجذر هذه الخرافات رغم الجهود التوعوية.

“عروس الجن”.. طقوس غامضة بحثًا عن الزواج والجمال

إلى جانب السحر والتنقيب عن الكنوز، تنتشر أيضًا خرافة “عروس الجن” في ليلة القدر، حيث يعتقد بعض الفتيات أن القيام بطقوس خاصة قد يجلب لهن الزواج السريع أو الجمال الخارق.

تشمل هذه الطقوس ارتداء ملابس بيضاء، إشعال الشموع، والجلوس بمفردهن في غرفة مظلمة انتظارًا لزيارة “العريس الخفي” الذي سيحقق لهن أحلامهن. وقد سجلت بعض الحالات التي تعرضت فيها فتيات لاضطرابات نفسية بعد هذه الممارسات، بسبب خوفهن من أن يكون الجن قد لاحقهن بالفعل!

بين الإيمان والخرافة.. لماذا تستمر هذه الظواهر؟

يرجع علماء الاجتماع انتشار هذه الممارسات إلى عدة عوامل، أبرزها الجهل، والتأثير العميق للتراث الشعبي، وغياب الوعي الديني لدى بعض الفئات. فالقصص المتوارثة منذ قرون لعبت دورًا في ترسيخ هذه المعتقدات، حتى أصبحت جزءًا من المخيلة الجماعية.

أما علماء الدين، فيؤكدون أن ليلة القدر هي ليلة رحمة ومغفرة، وليس لها أي علاقة بالشعوذة أو الأساطير، مستشهدين بحديث النبي ﷺ: “من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه”، مما يعكس بوضوح البعد الروحي الحقيقي لهذه الليلة.

ليلة القدر.. مرآة تعكس التناقضات

رغم كل ما يحيط بها من خرافات وأساطير، تظل ليلة القدر مناسبة دينية عظيمة تُعزز القيم الروحية والإيمانية للمغاربة. ومع ذلك، فإن استمرار بعض الممارسات الغريبة يُبرز الحاجة إلى مزيد من التوعية لمكافحة الدجل والشعوذة.

في النهاية، تبقى ليلة القدر فرصة عظيمة للتقرب إلى الله، لكنها أيضًا كاشفة لتفاوت العقول بين من يسعى للعبادة والخشوع، ومن يبحث عن “المجهول” في عالم الخرافة والأساطير!




شاهد أيضا