الأخطبوط الأسود
المغرب يتراجع في مؤشر إدراك الفساد: جرس إنذار لمستقبل الشفافية
كشف التقرير السنوي الأخير لمنظمة “ترانسبرانسي” الدولية عن تراجع مقلق في ترتيب المغرب ضمن مؤشر إدراك الفساد، وهو ما أثار جدلاً واسعًا في الأوساط السياسية والاقتصادية.
هذا التراجع يطرح العديد من التساؤلات حول أسبابه العميقة وتداعياته على التنمية والاستثمار، ومدى فعالية الإجراءات المتخذة لمكافحة هذه الظاهرة.
الأرقام تتحدث: أين يقف المغرب؟
بحسب التقرير، حصل المغرب على درجة أقل مقارنة بالعام الماضي، مما يعكس تزايد القلق بشأن الشفافية والنزاهة في البلاد. فقد احتل المغرب مرتبة متأخرة مقارنة بدول أخرى في المنطقة، وهو ما يكشف استمرار التحديات التي تعيق جهود محاربة الفساد وتعزيز الحوكمة الرشيدة.
أسباب التراجع: لماذا لم تحقق الإصلاحات النتائج المرجوة؟
يُعزى هذا التراجع إلى مجموعة من العوامل التي تؤثر بشكل مباشر على قدرة البلاد في مكافحة الفساد، ومن أبرزها:
ضعف تفعيل القوانين: رغم توفر المغرب على ترسانة قانونية متقدمة لمحاربة الفساد، إلا أن تطبيقها على أرض الواقع يواجه صعوبات بسبب البيروقراطية وعدم الجدية في التنفيذ.
غياب المحاسبة الصارمة: عدم محاسبة المتورطين في قضايا الفساد بالشكل الكافي يضعف ثقة المواطنين في المؤسسات الرسمية ويشجع استمرار الظاهرة.
انتشار الرشوة في القطاعات الحيوية: تشكل قطاعات مثل الصحة، العدل، والإدارة العمومية بؤرًا للفساد، مما يساهم في تعميق الفوارق الاجتماعية والاقتصادية.
ضعف دور المؤسسات الرقابية: رغم الجهود التي تبذلها بعض الهيئات المختصة، إلا أن تأثيرها يبقى محدودًا بسبب قلة الاستقلالية والموارد البشرية والمالية.
العراقيل أمام الصحافة والإعلام: تُعتبر الصحافة المستقلة أداة رئيسية لكشف الفساد، لكن القيود المفروضة على حرية التعبير وصعوبة الوصول إلى المعلومات تعرقل دورها الرقابي.
التداعيات الاقتصادية: هل يؤثر الفساد على مناخ الاستثمار؟
يشير خبراء الاقتصاد إلى أن تزايد إدراك الفساد في المغرب يُضعف ثقة المستثمرين الأجانب والمحليين، مما يؤدي إلى تراجع الاستثمارات ويُبطئ عجلة التنمية الاقتصادية.
كما أن الفساد يرفع التكاليف التشغيلية للشركات ويؤثر سلبًا على التنافسية، مما يُعرقل تحقيق نمو اقتصادي مستدام.
ما العمل؟ توصيات لمعالجة الوضع
لمواجهة هذا التراجع، يوصي التقرير بعدد من الإجراءات التي يمكن أن تساهم في تحسين وضعية المغرب في مؤشر إدراك الفساد:
تعزيز استقلالية القضاء: لضمان محاكمات عادلة وشفافة في قضايا الفساد دون تدخلات سياسية.
تفعيل قانون حماية المبلغين عن الفساد: لتشجيع المواطنين على كشف التجاوزات دون الخوف من الانتقام.
تقوية دور الصحافة والإعلام: من خلال ضمان حرية التعبير وتمكين الصحفيين من الوصول إلى المعلومات الضرورية لكشف الفساد.
إصلاح المؤسسات الرقابية: عبر منحها صلاحيات أوسع ودعْمها بالموارد اللازمة لمحاسبة الفاسدين.
تحسين الشفافية في الصفقات العمومية: لمنع الممارسات غير القانونية التي تؤثر على توزيع الثروات والفرص الاقتصادية.
هل المغرب قادر على تحسين وضعيته؟
رغم التحديات التي تواجهه، لا يزال المغرب يمتلك فرصة لاستعادة ثقة مواطنيه والمستثمرين عبر اتخاذ إجراءات جادة لتعزيز النزاهة والمساءلة. الإرادة السياسية القوية وتطبيق القوانين بصرامة سيكونان العاملين الأساسيين لتحقيق تقدم ملموس في مكافحة الفساد.
في ظل استمرار تراجع المغرب في مؤشر إدراك الفساد، يبقى السؤال المطروح: هل ستشهد المرحلة القادمة إصلاحات حقيقية تُحدث تغييرًا جوهريًا، أم أن الأمور ستبقى على حالها؟ الأيام القادمة وحدها كفيلة بالإجابة