العدالة المغربية على أعتاب تحول تاريخي:قانون العقوبات البديلة يدخل حيّز التنفيذ في غشت المقبل
الأخطبوط الأسود
في تطور يعتبر منعطفًا حاسمًا في مسار إصلاح العدالة الجنائية بالمغرب، أعلن وزير العدل عبد اللطيف وهبي أن قانون العقوبات البديلة سيبدأ تطبيقه رسميًا ابتداءً من شهر غشت المقبل، بعد استكمال كافة التحضيرات التقنية واللوجستية والبشرية اللازمة لضمان تنفيذ فعّال لهذا الإصلاح العميق.
ويأتي هذا القانون ضمن مشروع متكامل لتحديث المنظومة العقابية، يرمي إلى تجاوز النموذج التقليدي للعقوبات السجنية، وذلك من خلال إدراج آليات بديلة تضع نصب أعينها كرامة الفرد وحقه في إعادة الإدماج داخل المجتمع، بعيدًا عن الحلول الزجرية المغلقة التي غالبًا ما تُنتِج مزيدًا من التهميش والانحراف.
وأكد وهبي، في تصريحات أعقبت اجتماعًا ترأسه رئيس الحكومة عزيز أخنوش، أن العقوبات البديلة تمثل ترجمة فعلية لرؤية وطنية تتوخى جعل العدالة أكثر نجاعة وإنصافًا، معتبرًا أن الوقت قد حان لقطع الصلة مع ممارسات عقابية تكرس الإقصاء، ولا تتيح للمخالف فرصة ثانية.
القانون الجديد ينص على أربع آليات بديلة تم إعدادها بتدقيق لتحقيق توازن بين معاقبة الجاني وحماية المجتمع:
العمل لفائدة المنفعة العامة: يسمح للمحكوم عليه بأداء مهام اجتماعية أو بيئية عوض دخول السجن.
المراقبة الإلكترونية: تقنية تعتمد على السوار الإلكتروني لتقييد حرية التنقل دون الإيداع في المؤسسة السجنية.
تقييد بعض الحقوق أو فرض تدابير علاجية وتأهيلية: مثل الخضوع للعلاج من الإدمان أو الالتزام بحضور جلسات إصلاحية.
الغرامة اليومية: دفع مبلغ مالي محدد عن كل يوم من العقوبة الحبسية المفروضة.
هذا التحول التشريعي لا يقتصر فقط على البعد الزجري، بل يحمل في طياته فلسفة جديدة للعقاب تضع إعادة الإدماج كمحور أساسي في منظومة العدالة، وتفتح الباب أمام مقاربة أكثر إنسانية وعقلانية في التعامل مع المخالفين.
وتأمل وزارة العدل أن يؤدي هذا القانون إلى تقليص معدلات الاكتظاظ داخل السجون، والتقليل من التكاليف الاقتصادية والاجتماعية المترتبة عن الاعتقال، دون المساس بحقوق الضحايا أو الإضرار بالسلم المجتمعي.
وينتظر أن يحظى القانون الجديد بمتابعة دقيقة من قبل الهيئات الحقوقية والرأي العام، بالنظر لما يمثله من خطوة جريئة نحو عدالة تضع في أولوياتها إصلاح الإنسان، لا الاقتصاص منه فقط.
في ضوء هذه المستجدات، يبدو أن المغرب بصدد بناء نموذج عدالة حديث ومتقدم، يربط بين الحزم في تطبيق القانون والرحمة في تأويله، مع الإيمان بأن العقوبة يجب أن تكون وسيلة للإصلاح، لا مجرد وسيلة للردع أو الانتقام.

