“الهاكرز” في خدمة الفتنة..من يُحرك خيوط الحرب السيبرانية بين المغرب والجزائر؟

K36:الأخطبوط الأسود

في ظرف زمني لا يكاد يُذكر، هزّت الضربات السيبرانية مؤسسات رسمية حساسة في كلٍّ من المغرب والجزائر، في مشهد غير مسبوق يُوحي بما هو أعمق من مجرد هجمات إلكترونية معزولة.

ففي المغرب، تعرّض الموقع الرسمي لوزارة الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، إضافة إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي CNSS، لاختراق ممنهج سرّب آلاف الوثائق التي تتضمن بيانات شخصية لأكثر من مليوني مواطن.

وفي الجهة المقابلة، لم تمر سوى ساعات حتى طالت الضربات ذات الطابع الرقمي وزارة العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي الجزائرية، حيث تم تسريب 13 جيغابايت من المعطيات الحساسة تخص موظفين ومواطنين وملفات إدارية دقيقة، في هجوم وصفته مصادر أمنية جزائرية بأنه “الأخطر منذ سنوات”.

بين الرباط والجزائر…خيط رفيع من اللهب الرقمي
اللافت في هذين الحدثين ليس فقط حجم الضرر، بل التقارب الزمني والتنفيذي بين الهجومين، ما يطرح أسئلة عديدة: هل هي صدفة؟ أم أن جهة واحدة تقف وراء الاستهداف المتزامن للدولتين؟ وما الهدف من خلق هذا التوتر السيبراني في منطقة لا تخلو أصلاً من التشنجات السياسية؟

مصادر سيبرانية دولية – تتابع نشاط الجماعات الإلكترونية على “الدارك ويب” – لم تستبعد وجود طرف ثالث دولي أو حتى شبكات استخباراتية تستغل التوترات التاريخية بين الرباط والجزائر، وتعمل على تغذية الشك والعداوة بين البلدين من خلال فوضى رقمية مصطنعة. فاختراق مؤسسات اشتغالها يرتبط مباشرة بمعيش المواطن، وبأنظمة الحماية الاجتماعية، ليس مجرد عبث رقمي… بل هجوم على الثقة، والاستقرار، والسيادة.

سرقة البيانات… قنابل موقوتة بأهداف جيوسياسية
ما يثير القلق أكثر هو طبيعة البيانات المسروقة: بطائق وطنية، أرقام الضمان، بيانات أداءات، سجلات مالية، معلومات إدارية دقيقة، ملفات صحية… هذه المعطيات لا تُستعمل فقط في الاحتيال أو الابتزاز، بل تشكل كنزاً استراتيجياً لأي جهة ترغب في زعزعة استقرار الدول، أو التأثير على قراراتها، أو حتى تنفيذ عمليات استخباراتية رقمية مستقبلية.

وبحسب تقارير أمنية أولية، فإن الهجمات استخدمت تقنيات “الحقن البرمجي” والثغرات غير المرقّعة، وهي مؤشرات تدل على أن المُهاجمين يمتلكون معرفة معمقة بالبنيات التحتية الرقمية للوزارات المستهدفة. كما أن توقيت الهجمات – في فترة تشهد فيها العلاقات بين المغرب والجزائر فتوراً متواصلاً – يعزز الفرضية بأن هناك من يريد صبّ الزيت على نار الخلافات السياسية، ولكن هذه المرة من خلال بوابة الأمن الرقمي.

حرب الظلال: من الفاعل الحقيقي؟
منذ بروز هذه الهجمات، بدأت الاتهامات المتبادلة تتردد في كواليس الإعلام الرقمي وصفحات التواصل، فالبعض وجّه أصابع الاتهام إلى قراصنة من الجهة الأخرى للحدود، بينما تساءل آخرون: هل فعلاً القراصنة الذين أعلنوا تبنيهم للهجمات هم الفاعلون الحقيقيون، أم أن هناك قوى أكبر تحرّكهم من الخلف في لعبة جيوسياسية معقّدة؟

الفرضية الأخطر – التي لم تعد مستبعدة – هي أن هذه الهجمات ما هي إلا جزء من استراتيجية تهييج رقمية، تهدف إلى زرع الفتنة، وإشعال حرب اتهامات متبادلة بين شعوب الجارين، ودفع الدولتين إلى مزيد من التسلح الرقمي بدل التفاهم والتعاون في صد الهجمات الخارجية.

من يربح من الفوضى الرقمية في المغرب والجزائر؟
الواضح أن الخاسر الأكبر هو المواطن العادي، الذي وجد نفسه فجأة مكشوفاً رقمياً، لا يعرف إن كانت معلوماته تُباع على الإنترنت المظلم، أو إن كانت ستُستعمل لتزوير هويته أو اختراق حساباته البنكية أو ابتزازه. لكن من يربح من هذه الحرب السيبرانية؟

تحليل سياسي بسيط يُظهر أن هناك أطرافاً خارجية لا مصلحة لها في استقرار شمال إفريقيا، بل تسعى إلى تقسيم الدول الكبرى في المنطقة عبر تفكيك ثقتها الذاتية والمؤسساتية. وقد يكون هدفها زعزعة الاقتصاد الرقمي، التشكيك في حكومات المنطقة، إضعاف مؤسساتها، أو حتى استخدام هذه الثغرات في صفقات مستقبلية مشبوهة.

الحاجة إلى “جبهة رقمية مغاربية”
ورغم الخلافات السياسية الواضحة بين الرباط والجزائر، إلا أن ما يحدث الآن يُلزم الطرفين بالتفكير بشكل مختلف: الأمن الرقمي لا يعرف حدوداً، والقرصنة اليوم في الجزائر قد تُستعمل غداً لابتزاز المغرب، والعكس صحيح. ولذلك، فالحاجة أصبحت ملحّة لبناء جبهة سيبرانية مغاربية موحدة، أو على الأقل شراكات تقنية مشتركة لمواجهة هجمات تتجاوز الحسابات السياسية التقليدية.

معركة الثقة والسيادة…قبل أن نفقدها
ما بين مؤامرات الظل وسذاجة البنية الرقمية، يقف المغرب والجزائر في مفترق طرق حاسم: إما تعزيز الحماية والانفتاح على تعاون أمني رقمي، أو الاستمرار في لعبة الاتهامات المتبادلة، بينما يستمر القراصنة – الحقيقيون – في حصد الجوائز من خلف الشاشات.

وفي زمن تُخاض فيه المعارك من خلف الكيبورد، تصبح السيادة الرقمية مثلها مثل السيادة الترابية… لا تقبل القسمة ولا المساومة. والدرس القاسي الذي نتعلمه اليوم، في الرباط والجزائر معاً، هو أن الخطر حين يطرق الباب… لا يفرّق بين علمين.




شاهد أيضا