ثروات تلامس السحاب..ثلاثة رجال أعمال مغاربة يتحكمون في 45 مليار درهم والاقتصاد يتساءل:لمن تُغني هذه الثروة؟

الأخطبوط الأسود

في أحدث تصنيف لمجلة “فوربس”، تصدر ثلاثة رجال أعمال مغاربة قائمة الأثرياء بالمملكة، بثروات إجمالية تجاوزت 45 مليار درهم، مما أعاد الجدل حول تركّز الثروة في يد قلة من الفاعلين الاقتصاديين، ومدى تأثيرهم على التنمية الوطنية، وسط مشهد اقتصادي يشهد تفاوتًا صارخًا بين قلة فاحشة الثراء وطبقات واسعة ترزح تحت وطأة الأزمة المعيشية.

على رأس هذه القائمة، يبرز عثمان بنجلون، قطب المال والتأمين، بفضل إمبراطوريته البنكية الممتدة داخل المغرب وخارجه. بنجلون، الذي ورث نواة ثروته عن والده، استطاع توسيع نفوذه المالي من خلال بنك BMCE وشركة التأمين RMA، بالإضافة إلى استثمارات أخرى في قطاعات الاتصالات والأسواق الإفريقية. بنجلون يمثل نموذجًا لرجل الأعمال التقليدي الذي اختار الاستثمار طويل الأمد كاستراتيجية تراكم الثروة.

ثاني هؤلاء المليارديرات ليس سوى رئيس الحكومة الحالي، عزيز أخنوش، الذي يدير مجموعة “أكوا غروب”، ذات النفوذ الواسع في قطاع المحروقات عبر محطات “أفريقيا”، وفي الزراعة عبر شركات متعددة التخصصات. أخنوش، الذي يخلط بين العمل السياسي والاقتصادي، يُثير وجوده في قمة الهرم المالي والسياسي جدلًا واسعًا حول تضارب المصالح وتأثير النفوذ السياسي في تضخيم الثروات.

أما ثالث الأثرياء، فهو أنس الصفريوي، الملقب بسلطان العقار، الذي بنى ثروته من خلال مشاريع السكن الاقتصادي عن طريق مجموعته “الضحى”، والتي استطاعت احتكار نسبة مهمة من سوق العقار الموجه للطبقات المتوسطة والفقيرة. مشاريع الصفريوي، التي وُصفت في بعض الأحيان بأنها تجارية أكثر مما هي اجتماعية، فتحت له الباب لجني أرباح ضخمة، رغم الانتقادات الموجهة إلى جودة البناء والتسويق.

رحلة هؤلاء الثلاثة إلى قمة الثراء لم تكن فقط نتاج ذكاء اقتصادي، بل أيضًا نتيجة لتشابك المصالح بين المال والسلطة والصفقات العمومية. فمن خلال استغلال الامتيازات الحكومية، والولوج الحصري إلى مشاريع كبرى، والقدرة على المناورة وسط بيئة اقتصادية غير متكافئة، استطاع هؤلاء تحويل رؤوس أموالهم إلى نفوذ اقتصادي يعيد تشكيل موازين القوة داخل السوق المغربية.

لكن هذا التركز الشديد للثروة يطرح أكثر من سؤال: هل تُترجم هذه الثروات إلى فرص عمل حقيقية؟ هل تستفيد البلاد من هذا الرأسمال المحلي في تحفيز التصنيع والتشغيل؟ أم أن هذه الثروات تدور في فلك مغلق، يُعزّز الاحتكار ويُهمّش باقي الفاعلين الاقتصاديين الصغار؟

أرقام التشغيل المنخفضة، واتساع الفوارق الاجتماعية، وتراجع الطبقة الوسطى، كلها مؤشرات تدفع بالمجتمع المغربي إلى التساؤل حول الدور الحقيقي لهؤلاء الأثرياء في التنمية الوطنية. فبينما ترتفع أرباح شركاتهم، يعاني الملايين من المغاربة من تدني القدرة الشرائية، وارتفاع الأسعار، وشح فرص التشغيل، وتراجع جودة الخدمات العمومية.

التحدي الحقيقي لا يكمن في عدد الملايير التي يملكها هؤلاء، بل في كيفية تسخيرها لإحداث أثر اقتصادي إيجابي على أرض الواقع. فالمغرب اليوم بحاجة إلى نموذج اقتصادي يُوزع الثروة بشكل عادل، ويُحفّز الاستثمار المنتج، ويحد من هيمنة الشركات الكبرى على السوق، ويضع حدًا للامتيازات التي تُعيد إنتاج التفاوت الطبقي.

في النهاية، قصة الأثرياء الثلاثة ليست مجرد قصة نجاح فردي، بل مرآة تعكس اختلالات أعمق في بنية الاقتصاد المغربي. وبينما تزداد ثرواتهم عامًا بعد عام، يبقى السؤال معلقًا: متى سيستفيد المغاربة من هذا الثراء، لا فقط كمستهلكين، بل كمواطنين يطمحون إلى عدالة اقتصادية حقيقية؟




شاهد أيضا