الأخطبوط الأسود
في تطور أثار الكثير من الجدل داخل أوساط التكنولوجيا وحقوق الإنسان، وجدت المهندسة المغربية ابتهال أبو أسعد نفسها فجأة محرومة من الولوج إلى حساباتها الوظيفية داخل شركة مايكروسوفت، بعد أيام قليلة فقط من مشاركتها في احتجاج علني ضد تورط الشركة في دعم الجيش الإسرائيلي بتقنيات الذكاء الاصطناعي.
صوت شجاع داخل المؤسسة
ابتهال، وهي خريجة جامعة هارفارد الأمريكية المرموقة، ظهرت في مقطع فيديو واسع الانتشار وهي تقاطع احتفال الذكرى الخمسين لتأسيس مايكروسوفت، لتوجه انتقادًا مباشرًا للشركة بشأن عقودها المثيرة للجدل مع الجيش الإسرائيلي، لا سيما في ظل تصاعد الهجمات على المدنيين في غزة. مداخلتها القصيرة كانت صادمة للجميع، لكنها في الوقت نفسه أيقظت مشاعر كثير من المتابعين الذين اعتبروا أن موقفها مثال للضمير الحي وسط صمت عالمي متزايد.
العزل الرقمي بدل الرد العلني
بعد أيام من الحادثة، كشفت وكالة أسوشيتد برس أن المهندسة المغربية لم تعد قادرة على الدخول إلى حساباتها الخاصة بالعمل داخل أنظمة الشركة، وهو ما اعتبره كثيرون إشارة واضحة إلى إقصائها بشكل غير مباشر، ودون إصدار أي قرار رسمي بالفصل. هذا النوع من “العقاب الإداري غير المعلن” تستخدمه بعض الشركات الكبرى لتجنب تداعيات قانونية أو إعلامية علنية، خصوصًا في حالات التعبير العلني عن الرأي داخل مقرات العمل.
تضامن واسع وصمت رسمي
في المقابل، لم تتأخر موجات الدعم الشعبي والحقوقي. فقد لقيت ابتهال إشادة واسعة عبر منصات التواصل الاجتماعي، واعتُبرت نموذجًا نادرًا في شجاعة التعبير والدفاع عن القيم الإنسانية داخل بيئة عمل قد لا تتسامح مع “الخروج عن النص”. أما شركة مايكروسوفت، ففضّلت التزام الصمت، دون إصدار أي توضيح رسمي بخصوص ما حدث، ما زاد من حالة التوجس بشأن مدى احترامها لحق موظفيها في حرية التعبير، خاصة عندما يتعلق الأمر بقضايا حساسة مثل العدوان على غزة.
المبدأ أغلى من المنصب
قرار المهندسة المغربية بمواجهة مؤسستها لم يكن خطوة سهلة، خاصة في بيئة شديدة التنافس مثل شركات التكنولوجيا العملاقة. فابتهال، الشابة الطموحة ذات الخلفية الأكاديمية الرفيعة، كانت تعلم أن موقفًا كهذا قد يكلّفها مسيرتها المهنية، ومع ذلك، فضّلت أن تكون وفية لمبادئها، حتى لو كان الثمن فقدان وظيفتها.
التكنولوجيا والأخلاق… صراع لا ينتهي
قضية ابتهال أبو أسعد تفتح من جديد النقاش حول حدود الأخلاق داخل مؤسسات التكنولوجيا الكبرى، والدور الذي تلعبه هذه الشركات في النزاعات الدولية. فبينما تسوّق هذه المؤسسات نفسها كجهات “محايدة” تخدم الابتكار والتطور، تكشف الشراكات العسكرية أنها ليست بعيدة عن خريطة المصالح الجيوسياسية، وهو ما يضع العاملين داخلها في مواقف معقدة بين ولاء المهنة وضمير الإنسان.
حين يصبح التضامن تهمة
في عالم مثقل بالمصالح، قد تتحوّل كلمة تضامن إلى تهمة، وقد يُحاسَب الفرد لا على أفعاله، بل على مواقفه. هكذا وجدت ابتهال نفسها ضحية لنظام لا يتحمّل الأصوات المختلفة، حتى وإن كانت تلك الأصوات تنطق بالحق. لكنها رغم ذلك، ربحت احترامًا شعبيًا واسعًا، وأصبحت رمزًا للجرأة النسائية العربية في ساحات قلما يُسمع فيها صوت مختلف.