كلما مررت بساحة الشهداء بالقنيطرة، يداهمني شعور بالخيبة. هذه الساحة التي كانت رمزًا للمقاومة الوطنية، وحملت تضحيات رجال ونساء واجهوا الاستعمار بصدور عارية، تحولت إلى “جوطية” تعج بالباعة المتجولين، الأزبال، والفوضى. أين هي رمزية المكان؟ أين هو احترام التاريخ؟
هذه الأرض التي ارتوت بدماء الشهيدة منانة بنت الجيلالي وابنتها الرضيعة ميلودة، حين استُشهدتا برصاص المستعمر أثناء هتافها باسم الملك والوطن، وعشرات الشهداء الذين ارتوت ساحة الشهداء من دمائهم الزكية، أصبحت اليوم مسرحًا للفوضى والتهميش. ما يحدث ليس مجرد احتلال للفضاء العام، بل اعتداء صارخ على الذاكرة الجماعية.
أرض القنيطرة شكلت صرحًا صلبًا لانطلاق النضالات الشعبية. أبناء “حلاّلة”، خاصة شباب ديور صنياك، المدينة القديمة، الدوار، البوشتيين، وديور المخزن، كانوا طليعة الكفاح المسلح والمواجهات المباشرة مع قوات المستعمر رغم تفوقه العسكري والاستخباراتي. تلك الشوارع والأحياء كانت شاهدة على شجاعة استثنائية، واليوم تتآكل رمزية هذه الساحة تحت أكوام الملابس البالية وغياب التقدير.
الأغرب أن هذا التشويه يحدث أمام أعين السلطات المحلية. قائد المنطقة، المجلس الجماعي، وكل من له صلة بالملف، يكتفون بالمراقبة بصمت. هل يعقل أن يحدث هذا دون علمهم؟ أم أن هناك رضا ضمنيًا يغض الطرف عن هذه الإهانة للتاريخ؟
ليس من المقبول أن تتحول الساحة إلى نقطة فوضى في قلب المدينة. هذه ليست مجرد مساحة ليفعل بها الباعة ما يشاؤون، بل هي جزء من تاريخ مشترك يُفترض أن نحميه بكل ما أوتينا من قوة.
إعادة الاعتبار لساحة الشهداء ضرورة أخلاقية ووطنية. إذا كانت السلطات المحلية عاجزة انهاء هذه الفوضى وحماية تاريخ المدينة، فما الذي يمكن أن ننتظره منها .
القنيطرة تستحق أكثر. وساحة الشهداء تستحق أن تظل رمزًا للنضال والمقاومة وتشبت القنيطريين بوطنهم وملكهم، لا سوقًا للفوضى.