K36:الأخطبوط
عمال عرضيون خارج الأضواء
رغم أن العمال العرضيين يشكلون جزءاً أساسياً من اليد العاملة في الجماعات الترابية والمؤسسات العمومية بالمغرب، إلا أن وضعيتهم ما تزال محاطة بالغموض، سواء من حيث المعايير التي يتم اعتمادها لاختيارهم، أو من حيث الشفافية في تدبير ميزانيتهم السنوية، ما يفتح الباب أمام ممارسات مشبوهة، أبرزها المحسوبية والزبونية والولاءات السياسية.
من هم العمال العرضيون؟
العمال العرضيون هم فئة من الأشخاص الذين يتم تشغيلهم لفترة محددة وبعقود مؤقتة غالباً، من أجل القيام بمهام معينة داخل الجماعات الترابية أو بعض الإدارات العمومية، وذلك خارج النظام الأساسي للوظيفة العمومية. يشمل هؤلاء عادة عمال النظافة، الحراسة، الصيانة، النقل، وأحياناً إداريين أو تقنيين حسب الحاجة.
ميزانيات ضخمة… ومراقبة محدودة
تخصص الجماعات الترابية، سنوياً، غلافاً مالياً ضمن ميزانيتها لفائدة التوظيف العرضي، إلا أن مراقبة هذه الميزانية تظل محدودة، إذ نادراً ما يتم التدقيق في كيفية صرفها وعدد الأشخاص المستفيدين منها وطبيعة مهامهم الفعلية. وفي غياب معايير واضحة وشفافة، تصبح هذه الميزانية مجالاً خصباً للتلاعب واستغلال النفوذ.
كما تشير تقارير صادرة عن المجلس الأعلى للحسابات إلى وجود اختلالات في تدبير ملف العمال العرضيين، أبرزها غياب التتبع الإداري، وتوظيف أشخاص في مهام دائمة بعقود عرضية تتجدد بشكل غير قانوني، دون إجراء مباريات أو اعتماد معايير الكفاءة.
معايير غير واضحة للاختيار… وزبونية انتخابية
من أكبر الإشكالات التي تطبع تشغيل العرضيين هو غياب أي نظام موحد أو مساطر دقيقة لاختيارهم. غالباً ما يتم اختيارهم من قبل رؤساء الجماعات أو نوابهم بناءً على “التزكيات” أو الولاءات الحزبية، خصوصاً في الفترات التي تسبق الحملات الانتخابية. وهناك شهادات عديدة لمواطنين تم إقصاؤهم رغم توفرهم على الكفاءة، مقابل تشغيل أشخاص مقربين من أعضاء الجماعة أو مرشحين سابقين.
وتبقى الفئة الأكثر تضرراً هي تلك التي تعمل سنوات طويلة في الجماعة بعقود مؤقتة متجددة دون ترسيم أو تغطية اجتماعية كافية، ودون أي أفق مهني واضح.
إصلاح مطلوب… ومقترحات مهنية
خبراء في القانون الإداري والحكامة يوصون بإصلاح شامل لمنظومة التشغيل العرضي، من خلال:
إصدار قانون يؤطر هذه الفئة، ويحدد المهام الممكن إسنادها للعامل العرضي.
إحداث مباريات شفافة لاختيار العمال المؤقتين بناءً على معايير الكفاءة والعدالة المجالية.
رقابة صارمة من وزارة الداخلية والمجالس الجهوية للحسابات على الميزانية المخصصة لهم.
تحسين ظروف الاشتغال والحماية الاجتماعية للعاملين بعقود عرضية.
التمييز بين العمل الموسمي والمؤقت وبين العمل المستمر الذي يحتاج إلى إدماج قانوني واضح.
ضرورة سياسية وإدارية
الملف المتعلق بالعمال العرضيين ليس فقط قضية إدارية بل سياسية أيضاً، ترتبط بثقافة تدبير الشأن العام المحلي، واحترام مبدأ تكافؤ الفرص ومحاربة الزبونية. إن ترك هذا الوضع على حاله يُكرّس الهشاشة ويضعف الثقة في المؤسسات، ويستدعي تدخلاً تشريعياً وإدارياً عاجلاً لإنصاف فئة تشتغل في صمت وبدون ضمانات.